
من حوارات في قضايا المرأة والتراث والحرية .. الى تعلم الاسلام في خمسة ايام .. مسيرة نقدية فكرية عبرها كاتب متمرد وناقد جريء وباحث جاد استطاع ان يستأثر بالاهتمام ويلفت الانظار ويثير الجدل حوله ما بين مؤيد ومعارض ..نبيل فياض .. الكاتب والباحث في الاديان والناقد للتراث الاسلامي .. هو بكلمات موجزة شاب سوري في منتصف العقد الرابع .. درس الصيدلة في جامعة دمشق، ولكن ميوله الفكرية واهتماماته الثقافية كانت في مجال بعيد تماما عن دراسته الاكاديمية .. اذ درس اللاهوت المسيحي بدافع الاطلاع المعرفي .. وتعلم العبرية والآرامية مما فتح له آفاقا كبيرة في الرجوع الى مصادر الفكر الديني بلغتها الأم ، فضلا عن اتقانه للغات الانكليزية والألمانيّة والإيطاليّة ..عمل نبيل فياض فترة في الصحافة اللبنانية .. وله مجموعة من الأعمال الفكرية المطبوعة التي أثارت الجدل في الاوساط الثقافية الفكرية ( معظمها ممنوع من التداول في عدد من الدول العربية ) .. من أهم أعماله : يوم انحدر الجمل من السقيفة ، الهاجريّون، نيتشه والدين، حوارات في قضايا المرأة والتراث والحرية، التلمود البابلي، رسالة عبدة الأوثان، كافكا-التحوّل، محمّد نبي الإسلام، ام المؤمينن تأكل أولادها، النصارى ، حكايا الصعود، نصّان يهوديان، سلسلة كتب : مشروع الدين المقارن ، فضلا عن بعض الاعمال الاخرى المخطوطة والتي لم تنشر بعد ..وقد كان لشبكة اللادينين العرب هذا اللقاء مع الباحث نبيل فياض : ما هي الخلفية الثقافية للباحث نبيل فياض التي نشأ عليها والتي أوصلته في النهاية إلى التخصص في النقد الديني ؟
فتحت عينيّ منذ الصغر، ووالدتي كانت مثقفّة للغاية، على كتب ماو تسي تونغ وغيره من رموز الثورة الشيوعيّة الصينيّة؛ لكن ذلك كلّه لم يترك في داخلي أي أثر؛ في الخامسة عشرة، وربما قبلها، تعرّفت إلى الفكر الوجودي، تيّار جان-بول سارتر وسيمون دو بوفوار وألبير كامي في البداية؛ وبعدها انطلقت إلى المدرسة الوجوديّة الألمانيّة، خاصة كارل ياسبرز ومارتن هايدغر، الذي ترجمت له في مرحلة ما كتابه الجميل، ماهيّة الميتافيزيك! ترجمت أيضاً لسيمون دو بوفوار عملها موت سهل جدّاً، ودرست تفصيّليّاً أستاذتها الشهيرة، كوليت، التي لم تحظ في العالم العربي بالشهرة التي تستحقّها. عن طريق سارتر ودو بوفوار تعرّفت إلى من أسميهم أعمدة الثقافة الأوروبيّة المعاصرة الأربعة: وأعني بذلك كافكا، الذي قدّمت عنه كتاباً اسمه التحوّل [ قُدّم في دمشق كمسرحيّة أيضاً]، جويس، الذي نشرت عنه مجموعة مقالات بعنوان: صانعو تداعيات المخيّلة، بروست، صاحب البحث في الزمن الضائع، والرائع توماس مان، صاحب الموت في البندقيّة، أجمل ما قرأت في الأدب الألماني. لكن أهم خطوة كانت في حياتي الثقافيّة هي تعرّفي إلى نيتشه، الذي ما زلت أشعر حتى الآن أنّه الفيلسوف الأوحد الذي لا يمكن لفكره أن يُُتجاوز زمانيّاً أو مكانيّاً. عن نيتشه قدّمت كتابي الذي أعشق، نيتشه والدين [ بالتعاون مع ميشائيل موترايش وشتيفان دانه ]، ولنيتشه ترجمت مجموعة أعمال لم تنشر: شفق الأوثان، بمعزل عن الخير والشر، وعدو المسيح! أستطيع القول اليوم، إنّ ما أؤمن به من فلسفة هو مزيج من نيتشه، خاصّة مفاهيم الرجل الفائق والفرديّة المطلقة وإرادة القوّة، وكافكا، خاصّة مفهومي الوجود من أجل الموت، الذي وصل إلى أقصى مراحل نضجه في الزمان والكينونة عند هايدغر، واكتشاف الذات في العزلة، الذي حاولت تفصيله في التحوّل. ع
ما هي الظروف أو الأسباب التي استدعت الباحث نبيل فياض للانتقال من دراسة الفكر الغربي إلى دراسة الفكر العربي أو الاسلامي تحديداً ؟
لم أفكّر يوماً بالاقتراب من الفكر [ إن صحّت التسمية ] العربي؛ لكنّي مرّة، وكنت أعدّ دراسة لجريدة لبنانيّة عملت بها فترة غير قصيرة عن الفلسفة في أميركا اللاتينيّة، ذكرت أمام أحد أقاربي، الدكتور نظيم الموصلي، اسم الخليفة الإسلامي الثاني بأنه عمر بن شدّاد؛ فلامني للغاية على هذه القطيعة المعرفيّة مع الثقافة العربيّة؛ وصمّمت بعدها على الاقتراب من هذه الثقافة! وهكذا، بدأت العمل على تقوية ذاتي باللغة العربيّة! الآن أشعر بالندم على الوقت الذي أضعته في التعاطي مع ما عند العرب من معارف، لأن صفحة واحدة من هايدغر تساوي كل ما كُتب باللغة العربيّة منذ أن اخترعوا حروفها حتى اليوم! كنت أفضّل لو أني صرفت هذا الوقت في فهم أفضل لنيتشه أو فتغنشتاين أو فويرباخ: لكن سبق السيف العذل! .ن
ماهي الأسباب التي كانت وراء تخصيص معظم كتابات الباحث نبيل فياض لنقد الاسلام ؟
لم أفكّر يوماً بالكتابة في الإسلام، لأنه ببساطة شديدة لا يعنيني في شيء؛ إضافة إلى قناعتي المطلقة بأن المسلمين كائنات مصمتة كرويّة لا يمكن الدخول إليها من أي منفذ! لكن أثناء عملي في إحدى الصحف اللبنانيّة، كتبت مجموعة مقالات كانت ناجحة للغاية عن الطوائف الصغيرة في المنطقة، خاصّة اليزيديين الذين أحببتهم إلى درجة أن أحد أصدقائي من الكهنة الأرثوذكس؛ قال لي: إن إبليس تسرّب إلي عن طريق هؤلاء، ويفضّل أن أذهب إلى أحد الأديرة للتنقّي من تأثيره!!! وحين أردت أن أكتب شيئاً عن السنّة، قال لي صديق – وهو، بالمناسبة، طبيب أرثوذكسي – إن هنالك رجل دين متكلّم يظهر باستمرار في التلفزيون السوري، أنصحك بأن تطرح عليه بضع أسئلة حول الشأن السنّي لأن هذه الطائفة أوسع من أن تغطّى بمقالة؛ وهكذا كان! أمّا رجل الدين المشار إليه آنفاً، فلم يكن غير البوطي، الذي لم أكن قد سمعت باسمه من قبل! والباقي معروف! ن
تصاعدت في الآونة الأخيرة تيارات التجديد الاسلامي والتي تدعو الى تطوير آليات فهم الاسلام من خلال تجاوز الاجتهادات التراثية وطرح قراءة حضارية معاصرة للاسلام تستوعب مفردات العصر من خلال رؤية شرعية ( مثل الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة وحقوق الانسان .. ) فمن فهمي الهويدي ومحمد عمارة وسليم العوا ( اقطاب التجديد الاسلامي المنضبط بقواعد اصول الفقه ) .. مرورا بحسن الترابي وراشد الغنوشي وجودت السعيد ( منظرو تيار التجديد الاسلامي المتميز بالجرأة في تجاوز بعض المفاهيم التقليدية الاسلامية ) وانتهاء بمحمد شحرور وجمال البنا وسعيد العشماوي ونصر حامد أبو زيد ومحمد اركون ( رموز القراءة الاسلامية المتحررة تماما من القوالب الاصولية في فهم النص ) ... قراءات للاسلام متعددة ومتنوعة ومتناقضة .. ما تقييمك الشخصي لهذا التيار التجديدي ؟ وهل سيحقق نجاحا على الصعيد الشعبي والفكري ؟ وهل يمكن لهذا التيار أن يتصالح فكريا مع التيار اللاديني والعلماني ؟
لا يمكن بأية حال الخلط بين محمد شحرور وجمال البنا وسعيد العشماوي ونصر حامد أبو زيد ومحمد اركون والأسماء التي ذكرت قبلهم! محمد شحرور وجمال البنا وسعيد العشماوي ونصر حامد أبو زيد ومحمد اركون، في رأيي، علمانيّون ليبراليّون ليست عندهم أية مشكلة إلاّ مع من يضطهدهم. مدى تأثيرهم على الساحة يتعلّق أوّلاً وأخيراً بكتاباتهم ذات الصوت الأكاديمي، والتي يصعب فهمها على الشخص العادي!مشايخ التزمّت ينزلون إلى الشارع، يتحدّثون بلغته، حتى يضمنوا السواد الأعظم في جيوبهم!إضافة إلى عدم تكافؤ المعركة بين المتزمتين والإصلاحيين! الطرف الأول لديه من وسائل الاتصال الجماهيري ما لا يعدّ ولا يحصى، في حين أن الطرف الآخر محاصر تماماً، حتى الهروب من الوطن، كما حصل مع نصر حامد أبو زيد! وإذا لم يغيّر هؤلاء لغتهم، إذا لم تقتنع الحكومات بأن التحالف مع الأصوليين سوف ينهي الجميع إلى الحائط المسدود، لا أمل بأي شكل سريع للتغيير.!ت
نلمس في الكتابات الأخيرة للباحث نبيل فياض نبرة حادة ونقداً قاسيا يخالف ما عهدناه في أعمالك السابقة التي تميزت بالهدوء والمعالجة البحثية العلمية .. ما سبب هذا التغيير ؟؟ الا تعتقد أن حدة العبارة قد تحول دون قبول الآخر لكلامك ؟
كتاباتي تختلف عنّي تماماً، بمعنى أنّ حياتي الخاصّة أو العامّة، تفتقد أدنى درجات الحدّة والسخرية؛ والحقيقة كنت أفضّل لو كان باستطاعتي محاورة من أرى أنهم نقيضي المعرفي على طريقة كتاب النصارى أو حكايا الصعود: لكنّي فشلت! وطبقة رجال الدين السنّة التي عملت ككورال محترف ضدّي، عوض الردّ على ما أطرحه من مقولات، اختارت الحلّ الأسهل- أي الأمني – وراحت تستعديهم علي، ذاتيّاً لا موضوعيّاً. من هنا كان تغييري للأسلوب: لأن هؤلاء لا يستأهلون أي شكل للتعامل الجدّي! ما زلت أكتب طبعاً بطريقتي القديمة؛ وأعتقد أن كتابيّ الأخيرين، قصّة ابراهيم وحكايا الطوفان، لا يبتعدان أبداً عن أسلوبي الأكاديمي القديم.م
لاحظنا أن هناك جهات حاولت استغلال كتاباتك لغايات وأهداف فكرية خاصة بها تتناقض مع أهدافك البحثية ، فقد وجدنا أطرافاً شيعية تروج لكتابيك ( ام المؤمنين تأكل أولادها ) و ( يوم انحدر الجمل من السقيفة ) سلاحا فكريا في صراعها مع السنة، كما وجدنا مسيحيين يستخدمون أعمالك النقدية في أنشطتهم التبشيرية ، ناهيك عن مجموعات اثنية -السريان مثلا - استخدمت مقالاتك في حملات سياسية معارضة .. ما تقييمك الشخصي لهذه الممارسات ؟
لا أكتب استرضاء لأحد ولا ترويجاً لمشروع خاص بغيري: أكتب بهدف خلق حالة وعي عقلاني! الكتابات الأخيرة التي أنشرها في إحدى الصحف الكويتيّة وعلى موقع انترنت مسيحي لم يكن الهدف منها الترويج لأفكار قد تتناقض مع مشروعي بالكامل، بل الوصول إلى الناس، خاصّة في لبنان وسوريّا؛ بعد أن سُدّت في وجهي كلّ سبل التواصل مع الآخر! م
في عالم باتت فيه الحزبية الفكرية هي السمة الطاغية وسط بحر من المدارس والتيارات الفكرية ( الاسلامية والعلمانية والقومية واليسارية والليبرالية والماركسية واللادينية .. ) أين يقف نبيل فياض ؟ وكيف يصنف نفسه ؟
بصراحة تامّة، أجد مسألة العمل الجماعي الأكثر إفادة على كافة الصعد؛ هذا العام تحديداً؛ ومنذ بدايته، أُخرجت من العزلة؛ من هنا، كانت لي جولات قصيرة على المحافظات السوريّة لاستبيان آراء الناس. في اعتقادي، أنّ التأسيس لحزب سوري بشقيق لبناني، ليبرالي التوجّه والممارسة، مسألة أكثر من هامّة. والحقيقة أنّ أحد المشاركين في اللقاءات، وهو الباحث جهاد نصرة، بدأ يدعو إلى إنشاء هذا الحزب! الحزب الليبرالي مظلّة يمكن أن يجتمع تحتها الناس من تيارات وطوائف ومدارس فكريّة لا حصر لها: المهم أن يكون الشخص ليبراليّاً! الحزب الليبرالي، كما أفهمه، ليست عنده أية مطامح سلطويّة: أهدافه، باختصار شديد، الدفاع عن الحريّات العامّة والخاصّة؛ محاربة الاستبداد والفساد والطائفيّة! م
هل يمتلك نبيل فياض مشروعا فكريا معينا ؟ وما هي ملامحه ؟ وما هي الرسالة التي يريد ايصالها الى القارئ عبر كتبه ومقالاته ؟
ما أبحث عنه بصراحة هو خلق حالة عقلانيّة نقدية عند من يقرأ لي! هذا المشروع يسير على خطين: الأوّل، تفجير التاريخ المقدّس من داخله، والأمر ليس صعباً: تكفي بعض مطالعات مختارة لنكتشف كم الفضائح الإنسانيّة والأخلاقيّة التي تنضح من جوانب هذا التاريخ، وفي هذا الإطار قدّمت: حوارات، يوم انحدر الجمل من السقيفة، أم المؤمنين تأكل أولادها؛ والثاني، التأسيس لأحد أشكال النقدية الكتابيّة [ نقد الكتب المقدّسة ]، المنتشرة في كافة أرجاء العالم المتحضّر؛ وقد اخترت ما يسمّى بالدين المقارن للوصول إلى هذا الهدف. وفي هذا الإطار قدّمت: الهاجريون؛ النصارى؛ القصص الديني؛ مدخل إلى مشروع الدين المقارن؛ القرآن ككتاب مقدّس؛ نصّان يهوديّا حول بدايات الإسلام؛ حكايا الصعود؛ حكايا الطوفان؛ إبراهيم بين النصوص التاريخيّة والدينيّة! م
مقالاتك الأخيرة في موقع الناقد الالكتروني وجريدة السياسة الكويتية تطرقت فيها إلى الشأن السياسي العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص، هل يمتلك الباحث نبيل فياض مشروعاً سياسياً معيّناً ؟
لا أمتلك مشروعاً سياسيّاً، ولا غير سياسي: أكتب لأني أحبّ الكتابة! لا يهمني إن تطوّر العرب أم بقوا كائنات أقرب إلى القرود من أي شيء آخر؛ لا يهمني إن تبع العرب عمرو خالد أم عمرو موسى أم شعبان عبد الرحيم: كلّهم في الغوغائيّة سواء! لا يهمني إن تحجّبت فيفي عبده أو لبست عمتي المونوكيني؛ لا يهمني إن احتل الأمريكيّون العراق، أو احتل البوركيفاسيّون سوريّا أو احتل الميكرونوزيّون مصر: لأنه لا علاقة لي بالحاكم، بل لا أسمح لنفسي برؤيته حتى في الإعلام! يهمني فقط ثلاثة أشياء: صديقي عدنان الذي أكتب عنه دائماً، والذي ساعدني للغاية في كسر العزلة التي أدمنتها منذ كنت في الدير، الكتابة التي هي، كما قال كافكا، عطيّة الشيطان الأحلى، والبحر – فما بالك إذا اجتمع الثلاثة معاً، كما حصل الشهر الماضي في قرية سوكاس الأثريّة!؟
ما هي العوامل التي تعيق انتشار الوعي الديمقراطي المتسامح والقائم على التعددية الفكرية ؟؟ هل هو الدين أم تراكمات من القيم الاجتماعية والثقافية الموروثة أم ضغوط وتدخلات خارجية أم هناك عوامل أخرى ؟
لا شيء يعيق دولاب التحضّر أكثر من تلك المفاهيم حول الله والإيمان العائدة إلى دولة القبيلة، والتي يغسلون بها عقولنا منذ الطفولة! نحن نفكّر اليوم بأبجدية تم اختراعها منذ مئات السنين. والحداثة التي نسعى كلّنا إليها، تحتاج إلى تفجير داخلي لغوي أوّلاً ومفاهيمي ثانياً. نحن معاقون بسبب القيم التي ما تزال تفرض ذاتها علينا، من المهد إلى اللحد! لا علاقة للخارج في هذه المرحلة تحديداً بإعاقة المنظومات العربيّة عن السعي إلى التحضّر بكافة تجلّياته! الخلل فينا! التحالف بين المنظومات الحاكمة والأطراف الأصوليّة القمعيّة لم يعد خافياً على أحد: والطرفان لا همّ لهما غير الحفاظ على المجتمع في أدنى سويّاته الحركيّة! وحدهم المفكّرون يدفعون ضريبة هذا التحالف غير المعلن! م
القارئ للكتابات التي تحمل توقيعك سواء المترجمة منها أو التي حمّلتها فكرك الخاص يستشف بوضوح أنك تتبنى فهماً شخصياً للإله يختلف جذرياً عن المفاهيم التي تتبناها وتسّوقها الأديان . ما الظروف التي شجّعت الباحث نبيل فياض على الخروج من الاسلام بشكل خاص ومن الأديان بشكل عام وكيف تشّكل هذا المفهوم الخاص للإله لديه ؟
لم أنشأ في وسط متديّن، بالمعنى التقليدي للمصطلح؛ لكن الأهم من ذلك كلّه التقائي في مرحلتي التكوينيّة في القاهرة بشخص عشت معه ثلاث سنوات تقريباً، لا علاقة له بالإسلام ولا بالعروبة، اسمه فيليب؛ هذا الشخص، الماوي، الذي كان يكبرني بخمس عشرة سنة تقريباً، أشفاني بالكامل من شعور العروبة، لكنه فشل في تلويث عقلي بالماركسيّة، التي أثّر بي من انتقدها، مثل جان-إيف كالفيز وسارتر، أكثر مما أثّر بي من دافع عنها! من هنا، افتقدت على الدوام شعور الإيمان بشيء اسمه الإسلام والدين عموماً! حاولت باستمرار البحث عن شكل إيمان جديد خارج إطار الإسلام، في المسيحيّة أولاً ثم في البوذيّة واليهوديّة ثانياً، لكني لم أنجح! أعيش الآن تجربة غير عاديّة لا أستطيع الحديث عنها قبل خروجي الشعوري منها!ك
ما هي رؤيتك الشخصية لمستقبل الفكر اللاديني في المنطقة العربية والاسلامية ؟ وهل تعتقد أنه سيشهد الانتشار والتوسع ؟ وما هو حجم التيار اللاديني في المجتمعات الاسلامية وفق تقييمك الشخصي ؟
في اعتقادي أن الفكر اللاديني سيكون الأكثر انتشاراً في السنوات القادمة! لكن لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار التمييز بين اللاديني والإلحادي! الناس بحاجة إلى تغيير مفهومها لله، لأنه لم يعد يتناسب مع العصر. تغيير مفهوم الله لا يعني، بأية حال، تغيير الإله ككينونة! في تعاطينا مع فكرة الألوهة، لا نزال نستخدم تعابيراً عفا عليها الزمان، ومصطلحات ومفاهيماً لا تليقّ إلاّ بالمتاحف! هذا الإله الذي يقسّم الناس إلى أحرار وعبيد؛ الذي يشيّء الأنوثة عبر تصنيفها إلى زوجة وسريّة؛ هذا الإله الذي قلما نشاهده دون السيف المضرّج بالدماء: صار من الواجب تغيير قاموس صفاته! اللادينيّة مفتوحة للجميع، مؤمنين كانوا أم ملحدين! المؤمن العقلاني، لا يحتاج إلى منظومات دينيّة إذا ما أراد التواصل مع الإلهي! الأديان، خاصّة منها المعادية للصيرورة، شُغلت بأبجدية انتهى زمنها؛ من هنا، إمّا أن تدخل هذه الأديان في صيرورة تغيير شاملة، أو أنها ستحكم على ذواتها بالانقراض! م
شبكة اللادينيين العرب هي أول تجمّع لا ديني عربي يخرج إلى العلن ، ما مدى أهمية هذا الموقع برأيك وهل أنت من المتابعين له ؟ ما تقيّمك لهذه التجربة بشكل عام وما النصائح التي تقدمها للقائمين عليه للنهوض بهذه الفكرة نحو الأفضل ؟
مما لا شكّ فيه أن وجود موقع باسم اللادينيين العرب [ أفضّل: الناطقين بالعربيّة ] مسألة هامّة للغاية، لأنها المرّة الأولى التي يجرؤ فيها ناطقون بالعربيّة على الإعلان عن وجودهم، خاصّة في هذه المرحلة حيث التيارات الأصوليّة تأكل الأخضر واليابس؛ وأنا أتابع الموقع باستمرار، تحديداً بعض الأسماء الملفتة [ شهاب الدمشقي مثلاً ]! مع ذلك، لي بعض الملاحظات على هذا الموقع وغيره من المواقع، أهمها: استخدام الأسماء المستعارة عوض الأسماء الصريحة: ففي هذا الزمن لم يعد مقبولاً أن يتلطّى أحد خلف متراس الأقنعة خوفاً من رأي عام لا علاقة له، لا من قريب ولا من بعيد، بما يمكن أن تسميه " وعياً بشريّاً "! هنالك مسألة أخرى هامّة أيضاً هي افتقاد الموقع لأمهات المصادر اللادينيّة الغربيّة، التي ترجم بعضها إلى العربيّة؛ منها مثلاً: عدو المسيح، شفق الأوثان، وبمعزل عن الخير والشر لنيتشه؛ مستقبل وهم لفرويد؛ المسيح ليس مسيحياً لبرناردشو؛ الأبواب المقفلة لسارتر؛ ماهيّة الميتافيزيك لهايدغر؛ جوهر الدين وجوهر المسيحيّة لفويرباخ؛... إلخ! يمكن أن أذكّر هنا بعملي الذي لا أمتلك منه نسخة واحدة: نيتشه والدين، الذي قد يكون أصرح عمل باللغة العربيّة في نقد الدين!من ناحية أخرى، فكرة اللادينية تحتاج إلى توضيح أكثر: اللادينيّة تحتوي الإلحاد لكنها غير متطابقة معه! هذا الموضوع، باعتقادي، يحتاج إلى عمل كثير! الناس تحتاج في المنطقة إلى تغيير مفهوم الله في أذهانها، أكثر من حاجتها إلى الإلحاد، الذي هو في نهاية الأمر مسألة لا بدّ من تمتّع من يتبناها إلى قوّة لا مثيل لها! التخلّي عن فكرة الله أصعب على الإنسان من تخلّي الرضيع عن أمّه! لهذا أجدني ألحّ بقوّة على ضرورة تقديم مفاهيم لله جديدة غير دينيّة تناسب العصر وترفع من السويّة الأخلاقيّة للناس، التي أوصلتهم الأديان الحاليّة إلى دركها الأسفل! ك
مضى وقت طويل لم نرى لك أعمالاً جديدة ، ما الذي تـُحضّر له حالياً وهل من أعمال جديدة لك سترى النور قريباً ؟
عندي كتابان منعا طبعاً في سوريّا: حكايا الطوفان، وقصّة إبراهيم بين الروايات الدينيّة والتاريخيّة! الكتاب الذي أحضّر له منذ فترة طويلة اسمه " كمشة بدو "؛ وبعده لن أكتب عن الإسلام حرفاً واحداً؛ لأن قتل الذباب – إحدى وسائل قتل الوقت عند سارتر - أحلى بكثير من الخوض في تفاصيل هؤلاء البدائيين المضجرة! وكما قلت من قبل، العمر قصير للغاية، فمن غير المعقول إضاعته في حكايا الاستنجاء والاستجمار والشيطان خنزب ورضاع الكبير وغيرها من التفاهات المريعة التي لا تضيف للروح شيئاً! غ
http://www.ladeeni.net/ لقاءات
الجمعة 03 سبتمبر 2004