samedi 8 mars 2008

بالطباشير : عزيزي الله، من رسم الخطوط حول الدول؟

في إحدى المدارس الأمريكية طلبتِ المعلمة من الأطفال أن يوجهوا رسائل إلى الله في الكريسماس. يسألونه عن أحلامهم وأمنياتهم. أو يوجهون إليه أسئلة مما يخفق الأبوان والمعلمون في الإجابة عنها. وفي حين بدت بعض الرسائل طفولية شديدة البراءة، وبعضها جاء ضاحكا عابثا، بدت أخرى عميقةً ماكرة شديدة الإيغال الإشكاليّ والفلسفي، بل والسياسيّ أيضا. ولا عجب، فالجهل يفتح مدارك الإنسان نحو أقصى مدارج السؤال، عكس المعرفة التي تحدّ رؤانا بسقف الممكن والمنطق، فتنخفض هامةُ الأسئلة لتنضوي تحت خيمة المعلوم من الحياة بالضرورة. وحين قال النفّري "الجهل عمود الطمأنينة"، أظنه لم يعن فقط أن عدم المعرفة تريح بالك من التفكير في إجابات لأسئلة الوجود الكبرى ومن ثم تطمئن وتنام، على عكس ما يَأْرقُ الفلاسفةُ والعلماءُ، فيخاصمهم النوم وتنأى عنهم الراحة، بل أظنه قصد أيضا أن المعرفة تحدّ من أسئلتك وتقصّ من شطحاتها لأنك مقيّد بالنظرية ومكبّلٌ بالقانون. فلم يعد ممكنا أن تسأل (الآن) لماذا تدور الأرض عكس اتجاه عقارب الساعة؟ ولماذا ينير القمر ليلا؟ ولماذا تبدو السماء زرقاء؟ ولماذا تسقط الثمرة من الشجرة بدلا من أن تطير؟ لكن مَن يجهل يحق له أن يسأل "مطمئنًا" عمّا يشاء وقتما يشاء وعلى النحو الذي يشاء. لأنه يمتلك شيئا ثمينا يُفقدنا العلمُ إياه. الدهشة. والدهشةُ أصلُ الفرح ومصدر الإبداع الأكبر. لذلك الأطفال مبدعون كبار في أسئلتهم وفي رسومهم وفي ركضهم وراء فراشة أو ضفدع. فالطفلةُ التي سألت الله عن الحدود بين الدول، لا تفهم معنى كلمة احتلال، ولا إمبراطوريات. ولا تعرف من هو سير مارك سايكس أو مسيو جورج بيكو، ولا آرثر بلفور ووعوده. وحُكما هي بريئة من دم الهندي الأحمر الذي تدوس قدماها رفاته كل يوم وهي في طريقها إلى المدرسة. هنا بعض هذه الرسائل ترجمتُها إذ أراها قطعا من الشعر الصافي.ء
==
عزيزي الله،ء
في المدرسة يخبروننا أنك تفعل كلّ شيء. مَن الذي يقوم بمهامك يوم إجازتك ؟ جين
==
عزيزي الله،ء
هل فعلا كنت تقصد أن تكون الزرافة هكذا، أم حدث ذلك نتيجة خطأ ما ؟ نورما
==
عزيزي الله،ء
بدلا من أن تجعل الناس يموتون، ثم تضطر لصناعة بشر جديدين، لماذا لا تحتفظ وحسب بهؤلاء الذين صنعتهم بالفعل ؟ جين
==
عزيزي الله،ء
مَن رسم هذه الخطوط على الخريطة حول الدول ؟ نان
==
عزيزي الله،ء
قرأتُ الإنجيل. ماذا تعني كلمة "ينجب" ؟ لم يجبني أحد. مع حبي، آليسون
==
عزيزي الله،ء
هل أنت فعلا غير مرئي، أم أن هذه حيلة أو لعبة ؟ لاكي
==
عزيزي الله،ء
من فضلك ارسلْ لي حصانا صغيرا. ولاحظ أني لم أسألك أيّ شيء من قبل، وتستطيع التأكد من ذلك بالرجوع إلى دفاترك. بروس
==
عزيزي الله،ء
ذهبت إلى حفل الزفاف هذا، ورأيتهم يقبّلون بعضهما في الكنيسة. هل هذا جائز؟ نيل
==
عزيزي الله،ء
هل حقا تعني ما قلته: رُدَ للآخرين ما أعطوك إياه؟ لأنك لو تعني ذلك فسوف أعيد لأخي ركلتَه. دارتا
==
عزيزي الله،ء
ماذا يعني أنك ربٌّ غيور؟ كنتُ أظنُّ أن لديك كل شيء. جين
==
عزيزي الله،ء
شكرا على أخي المولود الذي وهبتنا إياه أمس، لكن صلواتي لك كانت بخصوص جرو! هل حدث خطأ ما ؟ جويس
==
عزيزي الله،ء
لقد أمطرتْ طيلة الإجازة. وجنّ جنون أبي! فقال بعض الكلمات عنك مما ينبغي ألا يقولها الناس، لكنني أرجو ألا تؤذيه بسبب ذلك على كل حال. صديقك... (عفوا لن أخبرك عن اسمي)ء
==
عزيزي الله،ء
لماذا "مدرسة الكنيسة" يوم الأحد ؟ كنت أظنُّ أن الأحد هو يوم إجازتنا. توم ل
==
عزيزي الله، ء
إذا كنا سنعود من جديد في هيئات أخرى- من فضلك لا تجعلني جانيفر هورتون لأنني أكرهها. دينيس
==
عزيزي الله،ء
إذا أعطيتني المصباح السحري مثل علاء الدين، سوف أعطيك بالمقابل أي شيء تطلبه، ما عدا فلوسي ولعبة الشطرنج خاصتي. رفائيل
==
عزيزي الله،ء
شقيقي فأر صغير. كان يجب أن تمنحه ذيلا. ها ها.. داني
==
عزيزي الله،ء
قابيل وهابيل ربما ما كانا ليقتلا بعضهما البعض جدا لو أن أباهما أعطى لكل منهما غرفة مستقلة. لقد جرّبنا ذلك ونفع هذا الأمر مع شقيقي. لاري
==
عزيزي الله،ء
أحب أن أكون مثل أبي عندما أكبر، لكن ليس بكل هذا الشعر في جسده. سام
==
عزيزي الله،ء
ليس عليك أن تقلق عليّ كثيرا. فأنا أنظر للجهتين دائما حين أعبر الطريق. دين
==
عزيزي الله،ء
أظن أن دبّاسة الأوراق هي أحد أعظم اختراعاتك. روث م.
==
عزيزي الله،ء
أفكر فيك أحيانا، حتى حين لا أكون في الصلاة. إيليوت
==
عزيزي الله،ء
أراهن أن ليس بوسعك أن تحب جميع البشر في العالم. يوجد أربعة فقط في أسرتي ولم أستطع أن أفعل ذلك. نان
==
عزيزي الله،ء
بين كل البشر الذين عملوا من أجلك، أحبُّ أكثرهم نوح وداود. روب
==
عزيزي الله،ء
إذا شاهدتني يوم الأحد في الكنيسة، سوف أريك حذائي الجديد. ميكي دي
==
عزيزي الله،ء
أود أن أعيش 900 عام مثل ذلك الرجل في الإنجيل. مع حبي، كريس
==
عزيزي الله،ء
قرأتُ أن توماس إديسون اخترع اللمبة. وفي المدرسة يقولون إنك من صنع النور. أراهن أنه سرق فكرتك. المخلصة، دونّا
==
عزيزي الله،ء
الأشرار سخروا من نوح: "تصنع سفينةً فوق الأرض الجافة أيها الأحمق!" لكنه كان ذكيًّا، كان ملتصقا بك. هذا ما سوف أفعله أيضا. إيدين
==
عزيزي الله،ء
لم أكن أصدق أن اللون البرتقالي يمكن أن يتماشى جماليا مع اللون الأرجواني، حتى شاهدت غروب الشمس الذي صنعتًه يوم الثلاثاء. كم كان ذلك جميلا. إيوجين
==
عزيزي الله،ء
لا أعتقد أن ثمة من يمكن أن يكون ربًّا أفضل منك. حسنا، فقط أريدك أن تعرف أنني لا أقول ذلك لأنك أنت الربُّ بالفعل.تشارلز
****
ت. فاطمة ناعوت .. ( عن موقع : الحوار المتمدن ع 2214 )ء

jeudi 21 février 2008

رسالة من أقدس الكائنات (إبليس قدس سره) !ء

بداية الموضوع هذيان ( مجازي ) عن الفكرة الثنائية للخير والشر .بعد أن اجتزت مسيرة ساعة من الزمن داخل القصر وقفت بين يديه بدون انتظار أو إجراءات بيروقراطية، و بدأت قولي ( بصوت مرتفع ) ..ء
سيدي و مولاي إبليس ( قدس سرك ) : باديء ذي بدء اسمح لي أن أجثو في بلاطك البديع و أمتدح سورك المنيع ، و اعذرني إن أطلت الانحناء ، فوعينيك يا سيدي ما واجهت أحداً يستحق إعجابي أكثر منك فأنت عاهل المعارضة أشجع الأحرار بالطبع و الفكرة أشهمهم بالحيلة و الدبرة .ء
سيدي و إمامي إبليس ( قدس سرك ) : أشكرك من صميم قلبي لإجزائك لي بهذه الدقائق من وقتك الثمين و لتأخذني يا سيدي بحلمك العظيم إن أطلت الوقوف بين يديك الشريفتين فلطالما انتظرت هذا اليوم و حلمت به و ها هو حلمي يتحقق و كم أطمع بإطالته .ء
سيدي و معبودي المعظم إبليس ( عليك الجلال ) : اعذرني لتلعثم لساني ، و بحة صوتي ، و حشرجته ، ورجفة يداي ، فشعوري بالرهبة و إحساسي بالربكة لم أعشه كما الآن نبضات قلبي تبدو كدوي مرجل ، و ضخ الدماء جعلني أشعر بالتأرجح كبندول يقيس العدم ، لون واحد يفصلني عنكم يا سيدي يشبه السراب و صورتكم كما لو أنها قادمة من مسار لولبي ، و هنا ازداد ارتباكي و انخفض صوتي , فبادرت قائلاً : لذا اسمح لي بالسجود بين يديك مرةً أخرى و أن ابالغ بالسجود، لأخفف من توتري إذا ما استجمعت الدماء العالقة بأطرافي داخل رأسي و أسترخي مردداً : ( سبحانك الأعظم الأعلى ) .ء
نظر إلي بعينيه الحادتين العميقتين فأبعدت عيني عنهما ، و كأنه أدرك ذلك فاشار بيده التي ميزها بخاتم كنت انظرإليه سامحا لي بالسجود ، نفضت جسدي الذي بدا كمومياء فارتبك بفرط أعصابي و ظهرت حركتي كمن صعق بالكهرباء، عاودت الإمساك بأعصابي المنهكة و استجمعت ما تبقى من الهدوء و الاتزان داخلي ، إلا أن حركتي بدت خفيفية فأردت أن أجعلها أثقل و أبطأ لأكسبها الوقار ، و إمعاناً بطلب الوقار الذي بالغت فيه أغمضت عينيَّ و أنا أهم بالسجود قبل أن أقدر المسافة التي تفصلني عن الأرض و كنت أعتقد بأنها أبعد من الواقع حتى اصطدم جبيني بها فازداد ارتباكي ( لم أدرك أنها الأرض و أحسست بأني اقتربت كثيراً من إبليس و أن جبيني اصطدم بدرجات عرشه ) !! فتحت عيني فلاحظت أن درجات العرش بعيدة و أنها الأرض لا غير فانهارت أعصابي و دخلت في غيبوبة ، أفقت لأجد أحد الخدم يقف فوقي و يهم بحملي فأدركت في حالة من اللا إدراك لم أعشها سابقاً بأن الغيبوبة لم تتجاوز الدقيقة ، حملني إلى كرسي وضع على يسار العرش و أتاني بكأس ماء بارد شربت نصفه ثم و ضع أمامي طاولة حمل إليها كأس بيرة و صحن فستق مملح و علبة سجائر و منفضة ( طفاية ) ، بعد أن أخذت رشفتين من الكأس و تنفست جل دخان سيجارتي أحسست بالإطمئنان و الراحة ثم بدأته الكلام قائلاً :ء
(الحوار)
سيدي الأنبل الأكرم إبليس ( قدس سرك ) : كم أحبك ، فأنت الذي قلب الموازين و جعل أجمل الأماكن خلقاً و أتقنها صنعاً خاوية على عروشها تهلكها الوحشة و الحيرة مرددةً : ما ذنب أبنائي بجريرة والدهم ؟
و أنت الذي جعل المخلوق على صورة الخالق المخلوق بيديه و أحبهم إليه المسجود له من كائنات النور يتخبط في العماء يقتل و يسرق أخاه و يكره أخته فكم أنت عبقري ، من أين لك هذا ؟! ء
كيف استطعت ان تنزل هذا الكائن القريب من الله إلى دركات الانحدار ، وكيف جعلت الأخت متهمة أبد الدهر من أخيها، كيف توصلت إلى حجبها بامر الله و كأنه ندم على خلقها و كيف استطعت أن تراوغ الغيب فتسرق السمع و كأني أشاهد لعبة ( لعبة بلاي ستيشن ) ؟
لكن اسمح لي يا سيدي أن أتساءل حول عبقريتك الفذة ..ء
إبليس ( عليه الجلال ) : ...........ء
ماورد : كيف و عفواً يا سيدي ( تتلبد أحاسيسك ) فترسل أبناءك إلى حتفهم ؟
إبليس ( عليه الجلال ) : ...........ء
ماورد : و لكن على ماذا تعوِّل ؟
إبليس ( عليه الجلال ) : ........... (لمدة نصف ساعة ) .ء
ماورد : و هل تمتلك القوة التي وهبت لك أساساً ؟
إبليس ( عليه الجلال ) : ........... ( غاضباً ) .ء
ماورد : فهمت ما تقصد ، قوتك ما صنعته لنفسك ، و لكن لماذا لا يسد الباب اوليس القدير على كل شيء ؟ إلى الآن على الأقل .ء
إبليس ( عليه الجلال ) : ...........ء
ماورد : و هل هو سعيد بهذه اللعبة ؟
إبليس ( عليه الجلال ) : ...........ء
ماورد : هههههههه ..ء
إبليس ( عليه الجلال ) : ...........ء
ماورد : لم أعتقد أنك كائن تاريخي أو شرير ، فأنت حاضر الآن دمث الطباع .ء
إبليس ( عليه الجلال ) : ...........ء
ماورد : صحيح يا سيدي .ء
إبليس ( عليه الجلال ) : ...........ء
ماورد : أشكرك يا سيدي و اسمح لي بالانصراف .ء
إبليس ( عليه الجلال ) : ...........ء
خرجت برفقة أحد الخدم فلفت نظري ما لم ألحظه أثناء دخولي وهو إضاءة الممرات و الغرف في القصر بشعلات نارية و شموع وسألته لماذا لا تستخدمون الكهرباء ؟ و كان يحدثني بأن القصر كما هو الآن منذ ملايين السنين و عن بعض الترميمات الطفيفة التي أدخلت عليه , وصلت الباب الخارجي للقصر و توقف الخادم عن الكلام و استأذنني بالانصراف و أن مهمته انتهت هنا تمنيت لو أن الباب أبعد قليلاً لشدة متعتي بسماع حديثه عن القصر.ء
***
« في: كانون الأول 07, 2007, 09:44:35 »
Halwasat بقلم : زميل عاقل ( ماورد ) ! بتصرف عن موقع

mercredi 20 février 2008

الحياة بالمقلوب ..

في حيلتي المقبلة ... ء
أريد أن أعيش بالمقلوب. ء
سأشرحْ لكم : ء
سأبدأ الحياة ميّتاً و عندئذ أحلُّ أهمّ مشكلةٍ في العالم !!! ء
ثم سأصحو في إحدى دور العجزة
فأشعر بتحسن حالتي يوما بعد يوم. ء
سأرمى في الشارع لأني بصحة جيّدة ... ء
أتلقى منحة التقاعد
و بعدها سأشرع في العمل
حيث سأشتري من أول يوم ساعة ذهبيةً
سأشتغل أربعين عاما
إلى أن أصبح شابا يافعا بما يكفي
لأتمتّع بالتقاعد. ء
سأشرب وأقيم الحفلات
سأكون شجاعا و أنا أحضّر دخولي إلى الثانوية ، ء
بكل تأكيد سألتحق بالمدرسة الابتدائية
ورويداً رويداً سأصير طفلاً ،ء
ألعب دون أن أتحمل أية مسؤولية
بل و سأصير صبياً
وبعد كل هذا ... ء
سأقضي آخر تسعة أشهر
وأنا أعوم في أفضل الظروف
وكأني في منتجع دافئ ، ء
آكل و أشرب دون حساب ... ء
بالإضافة إلى الشعور بالاتساع و الرخاء في كل يوم ، ء
و ينتهي فجأة كل شيء بشهوة رائعة !!! ء
إلا يدعو هذا حقا إلى الحلم !!؟
***
! (نص مجهول المؤلف)

الآن ميّت تمـــــاما..ء

الآن ميت تماما ؛
أكاتبكم من تحت ركام القبر أعترف لكم بأنني أذنبت كثيرا. لكنني لا أستحق أن أموت في هذا الوقت وبهذه الحادثة العنيفة أنا لم أكن عنيفا انظروا إلى الصورة ستقرأون في عيني البراءة ستدركون من خلال الملامح ، أنني ما زلت أطمح للحياة وأنني حاقد على تلك اللحظة الخاطئة التي اختطفتني من بينكم .ء
لو كنت أعلم من قبل أن نهايتي ستكون هكذا .. ما هيأت نفسي للخروج من البيت وما فكرت في تلك المشؤومة التي تراءت لي في المنام ، لا أنكر أنني عشقت فيها كل شيئ كانت صبية جريئة عيناها البلوريتان كانتا تتخطفاني في منامي واستيقاظي أنا كذلك كان لدي حلم ، وطموح كبيركنت هكذا أفكر في الاستقرار"رصيد في البنك"، أتزوج سلمى أسكن في آخر طبق من عمارة فضائية سأنزل "بلاسانسير" وأتوجه إلى سيارتي الفاخرة وأنا أسوي ربطة عنقي وزر المعطف الأنيق، أمسح الضباب عن الزجاج الأمامي وسلمى من ستقوم بالسياقة طفلان يتبادلان اللعب في المقعد الخلفي وسنسافر في العطلة إلى "اسطنبول" أو إلى ارض النيل، ربما سنكتشف التاريخ من جديد عن طريق الأهرامات أو في شرم الشيخ.ء
عفوا هذا لم يحدث ولن يحدث أبدا فسلمى الآن تبحث عن شاب آخر ينسيها وجهي السالف ينسيها كل اللحظات التي قضيناها نحلم بين اشجار السندباد وورد الكاردينيا والأقحوان الذي يطرز حديقة الكورنيش، سلمى الآن تعيش على أمل تعيش حلما آخر وأنا لم يبق من جسدي المشعر غير بعض العظام النخرة ..ء
ما زلت أذكر يومها حين تركت الكرسي الذي أعتقد أنه ما زال يحمل بصمات أصابعي هناك في مقهى الزهور. وهرولت لاستقبالها وهي تنزل من" الأتوبيس" فصدمتني تلك الشاحنة اللعينة كان الجو رطبا والشارع نديا، آه كم كانت مفجعة تلك الميتة.. صار رأسي تحت العجلة الخلفية كنت أراني كما كنت أراكم في نفس الوقت تتحلقون حولي .. وتضعون أيديكم على عيونكم لابأس ..ء
أعلم أن المشهد مفزع . أحبائي كادوا أن يغتسلوا بدمي لو لم تمسكوهم، سلوى الوحيدة لم تستطع البقاء ... بينكم ..غادرت .. وهي تحمل صورتي في قلبها ... وأنا ما زلت أحملها كاملة في ما تبقى من رميم ... وقفت في الأخير سيارة حمراء .. نزل منها فريق .. مكون من عدة أفراد ... استجمعوني .. وأخذوني إلى مستودع الاموات...ء
... ياه كم قساة اولئك الذين يعاشرون الأموات..! أخذوا جثتي .. رموها بعنف هناك في جهة من غرفة مثلجة ....
بعدها .. جاء فريق آخر .. فتق صدري .. استاصل القلب والشرايين ... ثم أخاطوني وهيأوني للدفن ...
أنا لآن مرتاح من صخبكم .. وضجيجكم أيها الاحياء.ء
***

lundi 19 novembre 2007

لقاء مع المفكر نبيل فياض

من حوارات في قضايا المرأة والتراث والحرية .. الى تعلم الاسلام في خمسة ايام .. مسيرة نقدية فكرية عبرها كاتب متمرد وناقد جريء وباحث جاد استطاع ان يستأثر بالاهتمام ويلفت الانظار ويثير الجدل حوله ما بين مؤيد ومعارض ..نبيل فياض .. الكاتب والباحث في الاديان والناقد للتراث الاسلامي .. هو بكلمات موجزة شاب سوري في منتصف العقد الرابع .. درس الصيدلة في جامعة دمشق، ولكن ميوله الفكرية واهتماماته الثقافية كانت في مجال بعيد تماما عن دراسته الاكاديمية .. اذ درس اللاهوت المسيحي بدافع الاطلاع المعرفي .. وتعلم العبرية والآرامية مما فتح له آفاقا كبيرة في الرجوع الى مصادر الفكر الديني بلغتها الأم ، فضلا عن اتقانه للغات الانكليزية والألمانيّة والإيطاليّة ..عمل نبيل فياض فترة في الصحافة اللبنانية .. وله مجموعة من الأعمال الفكرية المطبوعة التي أثارت الجدل في الاوساط الثقافية الفكرية ( معظمها ممنوع من التداول في عدد من الدول العربية ) .. من أهم أعماله : يوم انحدر الجمل من السقيفة ، الهاجريّون، نيتشه والدين، حوارات في قضايا المرأة والتراث والحرية، التلمود البابلي، رسالة عبدة الأوثان، كافكا-التحوّل، محمّد نبي الإسلام، ام المؤمينن تأكل أولادها، النصارى ، حكايا الصعود، نصّان يهوديان، سلسلة كتب : مشروع الدين المقارن ، فضلا عن بعض الاعمال الاخرى المخطوطة والتي لم تنشر بعد ..وقد كان لشبكة اللادينين العرب هذا اللقاء مع الباحث نبيل فياض : ما هي الخلفية الثقافية للباحث نبيل فياض التي نشأ عليها والتي أوصلته في النهاية إلى التخصص في النقد الديني ؟
فتحت عينيّ منذ الصغر، ووالدتي كانت مثقفّة للغاية، على كتب ماو تسي تونغ وغيره من رموز الثورة الشيوعيّة الصينيّة؛ لكن ذلك كلّه لم يترك في داخلي أي أثر؛ في الخامسة عشرة، وربما قبلها، تعرّفت إلى الفكر الوجودي، تيّار جان-بول سارتر وسيمون دو بوفوار وألبير كامي في البداية؛ وبعدها انطلقت إلى المدرسة الوجوديّة الألمانيّة، خاصة كارل ياسبرز ومارتن هايدغر، الذي ترجمت له في مرحلة ما كتابه الجميل، ماهيّة الميتافيزيك! ترجمت أيضاً لسيمون دو بوفوار عملها موت سهل جدّاً، ودرست تفصيّليّاً أستاذتها الشهيرة، كوليت، التي لم تحظ في العالم العربي بالشهرة التي تستحقّها. عن طريق سارتر ودو بوفوار تعرّفت إلى من أسميهم أعمدة الثقافة الأوروبيّة المعاصرة الأربعة: وأعني بذلك كافكا، الذي قدّمت عنه كتاباً اسمه التحوّل [ قُدّم في دمشق كمسرحيّة أيضاً]، جويس، الذي نشرت عنه مجموعة مقالات بعنوان: صانعو تداعيات المخيّلة، بروست، صاحب البحث في الزمن الضائع، والرائع توماس مان، صاحب الموت في البندقيّة، أجمل ما قرأت في الأدب الألماني. لكن أهم خطوة كانت في حياتي الثقافيّة هي تعرّفي إلى نيتشه، الذي ما زلت أشعر حتى الآن أنّه الفيلسوف الأوحد الذي لا يمكن لفكره أن يُُتجاوز زمانيّاً أو مكانيّاً. عن نيتشه قدّمت كتابي الذي أعشق، نيتشه والدين [ بالتعاون مع ميشائيل موترايش وشتيفان دانه ]، ولنيتشه ترجمت مجموعة أعمال لم تنشر: شفق الأوثان، بمعزل عن الخير والشر، وعدو المسيح! أستطيع القول اليوم، إنّ ما أؤمن به من فلسفة هو مزيج من نيتشه، خاصّة مفاهيم الرجل الفائق والفرديّة المطلقة وإرادة القوّة، وكافكا، خاصّة مفهومي الوجود من أجل الموت، الذي وصل إلى أقصى مراحل نضجه في الزمان والكينونة عند هايدغر، واكتشاف الذات في العزلة، الذي حاولت تفصيله في التحوّل. ع
ما هي الظروف أو الأسباب التي استدعت الباحث نبيل فياض للانتقال من دراسة الفكر الغربي إلى دراسة الفكر العربي أو الاسلامي تحديداً ؟
لم أفكّر يوماً بالاقتراب من الفكر [ إن صحّت التسمية ] العربي؛ لكنّي مرّة، وكنت أعدّ دراسة لجريدة لبنانيّة عملت بها فترة غير قصيرة عن الفلسفة في أميركا اللاتينيّة، ذكرت أمام أحد أقاربي، الدكتور نظيم الموصلي، اسم الخليفة الإسلامي الثاني بأنه عمر بن شدّاد؛ فلامني للغاية على هذه القطيعة المعرفيّة مع الثقافة العربيّة؛ وصمّمت بعدها على الاقتراب من هذه الثقافة! وهكذا، بدأت العمل على تقوية ذاتي باللغة العربيّة! الآن أشعر بالندم على الوقت الذي أضعته في التعاطي مع ما عند العرب من معارف، لأن صفحة واحدة من هايدغر تساوي كل ما كُتب باللغة العربيّة منذ أن اخترعوا حروفها حتى اليوم! كنت أفضّل لو أني صرفت هذا الوقت في فهم أفضل لنيتشه أو فتغنشتاين أو فويرباخ: لكن سبق السيف العذل! .ن
ماهي الأسباب التي كانت وراء تخصيص معظم كتابات الباحث نبيل فياض لنقد الاسلام ؟
لم أفكّر يوماً بالكتابة في الإسلام، لأنه ببساطة شديدة لا يعنيني في شيء؛ إضافة إلى قناعتي المطلقة بأن المسلمين كائنات مصمتة كرويّة لا يمكن الدخول إليها من أي منفذ! لكن أثناء عملي في إحدى الصحف اللبنانيّة، كتبت مجموعة مقالات كانت ناجحة للغاية عن الطوائف الصغيرة في المنطقة، خاصّة اليزيديين الذين أحببتهم إلى درجة أن أحد أصدقائي من الكهنة الأرثوذكس؛ قال لي: إن إبليس تسرّب إلي عن طريق هؤلاء، ويفضّل أن أذهب إلى أحد الأديرة للتنقّي من تأثيره!!! وحين أردت أن أكتب شيئاً عن السنّة، قال لي صديق – وهو، بالمناسبة، طبيب أرثوذكسي – إن هنالك رجل دين متكلّم يظهر باستمرار في التلفزيون السوري، أنصحك بأن تطرح عليه بضع أسئلة حول الشأن السنّي لأن هذه الطائفة أوسع من أن تغطّى بمقالة؛ وهكذا كان! أمّا رجل الدين المشار إليه آنفاً، فلم يكن غير البوطي، الذي لم أكن قد سمعت باسمه من قبل! والباقي معروف! ن
تصاعدت في الآونة الأخيرة تيارات التجديد الاسلامي والتي تدعو الى تطوير آليات فهم الاسلام من خلال تجاوز الاجتهادات التراثية وطرح قراءة حضارية معاصرة للاسلام تستوعب مفردات العصر من خلال رؤية شرعية ( مثل الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة وحقوق الانسان .. ) فمن فهمي الهويدي ومحمد عمارة وسليم العوا ( اقطاب التجديد الاسلامي المنضبط بقواعد اصول الفقه ) .. مرورا بحسن الترابي وراشد الغنوشي وجودت السعيد ( منظرو تيار التجديد الاسلامي المتميز بالجرأة في تجاوز بعض المفاهيم التقليدية الاسلامية ) وانتهاء بمحمد شحرور وجمال البنا وسعيد العشماوي ونصر حامد أبو زيد ومحمد اركون ( رموز القراءة الاسلامية المتحررة تماما من القوالب الاصولية في فهم النص ) ... قراءات للاسلام متعددة ومتنوعة ومتناقضة .. ما تقييمك الشخصي لهذا التيار التجديدي ؟ وهل سيحقق نجاحا على الصعيد الشعبي والفكري ؟ وهل يمكن لهذا التيار أن يتصالح فكريا مع التيار اللاديني والعلماني ؟
لا يمكن بأية حال الخلط بين محمد شحرور وجمال البنا وسعيد العشماوي ونصر حامد أبو زيد ومحمد اركون والأسماء التي ذكرت قبلهم! محمد شحرور وجمال البنا وسعيد العشماوي ونصر حامد أبو زيد ومحمد اركون، في رأيي، علمانيّون ليبراليّون ليست عندهم أية مشكلة إلاّ مع من يضطهدهم. مدى تأثيرهم على الساحة يتعلّق أوّلاً وأخيراً بكتاباتهم ذات الصوت الأكاديمي، والتي يصعب فهمها على الشخص العادي!مشايخ التزمّت ينزلون إلى الشارع، يتحدّثون بلغته، حتى يضمنوا السواد الأعظم في جيوبهم!إضافة إلى عدم تكافؤ المعركة بين المتزمتين والإصلاحيين! الطرف الأول لديه من وسائل الاتصال الجماهيري ما لا يعدّ ولا يحصى، في حين أن الطرف الآخر محاصر تماماً، حتى الهروب من الوطن، كما حصل مع نصر حامد أبو زيد! وإذا لم يغيّر هؤلاء لغتهم، إذا لم تقتنع الحكومات بأن التحالف مع الأصوليين سوف ينهي الجميع إلى الحائط المسدود، لا أمل بأي شكل سريع للتغيير.!ت
نلمس في الكتابات الأخيرة للباحث نبيل فياض نبرة حادة ونقداً قاسيا يخالف ما عهدناه في أعمالك السابقة التي تميزت بالهدوء والمعالجة البحثية العلمية .. ما سبب هذا التغيير ؟؟ الا تعتقد أن حدة العبارة قد تحول دون قبول الآخر لكلامك ؟
كتاباتي تختلف عنّي تماماً، بمعنى أنّ حياتي الخاصّة أو العامّة، تفتقد أدنى درجات الحدّة والسخرية؛ والحقيقة كنت أفضّل لو كان باستطاعتي محاورة من أرى أنهم نقيضي المعرفي على طريقة كتاب النصارى أو حكايا الصعود: لكنّي فشلت! وطبقة رجال الدين السنّة التي عملت ككورال محترف ضدّي، عوض الردّ على ما أطرحه من مقولات، اختارت الحلّ الأسهل- أي الأمني – وراحت تستعديهم علي، ذاتيّاً لا موضوعيّاً. من هنا كان تغييري للأسلوب: لأن هؤلاء لا يستأهلون أي شكل للتعامل الجدّي! ما زلت أكتب طبعاً بطريقتي القديمة؛ وأعتقد أن كتابيّ الأخيرين، قصّة ابراهيم وحكايا الطوفان، لا يبتعدان أبداً عن أسلوبي الأكاديمي القديم.م
لاحظنا أن هناك جهات حاولت استغلال كتاباتك لغايات وأهداف فكرية خاصة بها تتناقض مع أهدافك البحثية ، فقد وجدنا أطرافاً شيعية تروج لكتابيك ( ام المؤمنين تأكل أولادها ) و ( يوم انحدر الجمل من السقيفة ) سلاحا فكريا في صراعها مع السنة، كما وجدنا مسيحيين يستخدمون أعمالك النقدية في أنشطتهم التبشيرية ، ناهيك عن مجموعات اثنية -السريان مثلا - استخدمت مقالاتك في حملات سياسية معارضة .. ما تقييمك الشخصي لهذه الممارسات ؟
لا أكتب استرضاء لأحد ولا ترويجاً لمشروع خاص بغيري: أكتب بهدف خلق حالة وعي عقلاني! الكتابات الأخيرة التي أنشرها في إحدى الصحف الكويتيّة وعلى موقع انترنت مسيحي لم يكن الهدف منها الترويج لأفكار قد تتناقض مع مشروعي بالكامل، بل الوصول إلى الناس، خاصّة في لبنان وسوريّا؛ بعد أن سُدّت في وجهي كلّ سبل التواصل مع الآخر! م
في عالم باتت فيه الحزبية الفكرية هي السمة الطاغية وسط بحر من المدارس والتيارات الفكرية ( الاسلامية والعلمانية والقومية واليسارية والليبرالية والماركسية واللادينية .. ) أين يقف نبيل فياض ؟ وكيف يصنف نفسه ؟
بصراحة تامّة، أجد مسألة العمل الجماعي الأكثر إفادة على كافة الصعد؛ هذا العام تحديداً؛ ومنذ بدايته، أُخرجت من العزلة؛ من هنا، كانت لي جولات قصيرة على المحافظات السوريّة لاستبيان آراء الناس. في اعتقادي، أنّ التأسيس لحزب سوري بشقيق لبناني، ليبرالي التوجّه والممارسة، مسألة أكثر من هامّة. والحقيقة أنّ أحد المشاركين في اللقاءات، وهو الباحث جهاد نصرة، بدأ يدعو إلى إنشاء هذا الحزب! الحزب الليبرالي مظلّة يمكن أن يجتمع تحتها الناس من تيارات وطوائف ومدارس فكريّة لا حصر لها: المهم أن يكون الشخص ليبراليّاً! الحزب الليبرالي، كما أفهمه، ليست عنده أية مطامح سلطويّة: أهدافه، باختصار شديد، الدفاع عن الحريّات العامّة والخاصّة؛ محاربة الاستبداد والفساد والطائفيّة! م
هل يمتلك نبيل فياض مشروعا فكريا معينا ؟ وما هي ملامحه ؟ وما هي الرسالة التي يريد ايصالها الى القارئ عبر كتبه ومقالاته ؟
ما أبحث عنه بصراحة هو خلق حالة عقلانيّة نقدية عند من يقرأ لي! هذا المشروع يسير على خطين: الأوّل، تفجير التاريخ المقدّس من داخله، والأمر ليس صعباً: تكفي بعض مطالعات مختارة لنكتشف كم الفضائح الإنسانيّة والأخلاقيّة التي تنضح من جوانب هذا التاريخ، وفي هذا الإطار قدّمت: حوارات، يوم انحدر الجمل من السقيفة، أم المؤمنين تأكل أولادها؛ والثاني، التأسيس لأحد أشكال النقدية الكتابيّة [ نقد الكتب المقدّسة ]، المنتشرة في كافة أرجاء العالم المتحضّر؛ وقد اخترت ما يسمّى بالدين المقارن للوصول إلى هذا الهدف. وفي هذا الإطار قدّمت: الهاجريون؛ النصارى؛ القصص الديني؛ مدخل إلى مشروع الدين المقارن؛ القرآن ككتاب مقدّس؛ نصّان يهوديّا حول بدايات الإسلام؛ حكايا الصعود؛ حكايا الطوفان؛ إبراهيم بين النصوص التاريخيّة والدينيّة! م
مقالاتك الأخيرة في موقع الناقد الالكتروني وجريدة السياسة الكويتية تطرقت فيها إلى الشأن السياسي العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص، هل يمتلك الباحث نبيل فياض مشروعاً سياسياً معيّناً ؟
لا أمتلك مشروعاً سياسيّاً، ولا غير سياسي: أكتب لأني أحبّ الكتابة! لا يهمني إن تطوّر العرب أم بقوا كائنات أقرب إلى القرود من أي شيء آخر؛ لا يهمني إن تبع العرب عمرو خالد أم عمرو موسى أم شعبان عبد الرحيم: كلّهم في الغوغائيّة سواء! لا يهمني إن تحجّبت فيفي عبده أو لبست عمتي المونوكيني؛ لا يهمني إن احتل الأمريكيّون العراق، أو احتل البوركيفاسيّون سوريّا أو احتل الميكرونوزيّون مصر: لأنه لا علاقة لي بالحاكم، بل لا أسمح لنفسي برؤيته حتى في الإعلام! يهمني فقط ثلاثة أشياء: صديقي عدنان الذي أكتب عنه دائماً، والذي ساعدني للغاية في كسر العزلة التي أدمنتها منذ كنت في الدير، الكتابة التي هي، كما قال كافكا، عطيّة الشيطان الأحلى، والبحر – فما بالك إذا اجتمع الثلاثة معاً، كما حصل الشهر الماضي في قرية سوكاس الأثريّة!؟
ما هي العوامل التي تعيق انتشار الوعي الديمقراطي المتسامح والقائم على التعددية الفكرية ؟؟ هل هو الدين أم تراكمات من القيم الاجتماعية والثقافية الموروثة أم ضغوط وتدخلات خارجية أم هناك عوامل أخرى ؟
لا شيء يعيق دولاب التحضّر أكثر من تلك المفاهيم حول الله والإيمان العائدة إلى دولة القبيلة، والتي يغسلون بها عقولنا منذ الطفولة! نحن نفكّر اليوم بأبجدية تم اختراعها منذ مئات السنين. والحداثة التي نسعى كلّنا إليها، تحتاج إلى تفجير داخلي لغوي أوّلاً ومفاهيمي ثانياً. نحن معاقون بسبب القيم التي ما تزال تفرض ذاتها علينا، من المهد إلى اللحد! لا علاقة للخارج في هذه المرحلة تحديداً بإعاقة المنظومات العربيّة عن السعي إلى التحضّر بكافة تجلّياته! الخلل فينا! التحالف بين المنظومات الحاكمة والأطراف الأصوليّة القمعيّة لم يعد خافياً على أحد: والطرفان لا همّ لهما غير الحفاظ على المجتمع في أدنى سويّاته الحركيّة! وحدهم المفكّرون يدفعون ضريبة هذا التحالف غير المعلن! م
القارئ للكتابات التي تحمل توقيعك سواء المترجمة منها أو التي حمّلتها فكرك الخاص يستشف بوضوح أنك تتبنى فهماً شخصياً للإله يختلف جذرياً عن المفاهيم التي تتبناها وتسّوقها الأديان . ما الظروف التي شجّعت الباحث نبيل فياض على الخروج من الاسلام بشكل خاص ومن الأديان بشكل عام وكيف تشّكل هذا المفهوم الخاص للإله لديه ؟
لم أنشأ في وسط متديّن، بالمعنى التقليدي للمصطلح؛ لكن الأهم من ذلك كلّه التقائي في مرحلتي التكوينيّة في القاهرة بشخص عشت معه ثلاث سنوات تقريباً، لا علاقة له بالإسلام ولا بالعروبة، اسمه فيليب؛ هذا الشخص، الماوي، الذي كان يكبرني بخمس عشرة سنة تقريباً، أشفاني بالكامل من شعور العروبة، لكنه فشل في تلويث عقلي بالماركسيّة، التي أثّر بي من انتقدها، مثل جان-إيف كالفيز وسارتر، أكثر مما أثّر بي من دافع عنها! من هنا، افتقدت على الدوام شعور الإيمان بشيء اسمه الإسلام والدين عموماً! حاولت باستمرار البحث عن شكل إيمان جديد خارج إطار الإسلام، في المسيحيّة أولاً ثم في البوذيّة واليهوديّة ثانياً، لكني لم أنجح! أعيش الآن تجربة غير عاديّة لا أستطيع الحديث عنها قبل خروجي الشعوري منها!ك
ما هي رؤيتك الشخصية لمستقبل الفكر اللاديني في المنطقة العربية والاسلامية ؟ وهل تعتقد أنه سيشهد الانتشار والتوسع ؟ وما هو حجم التيار اللاديني في المجتمعات الاسلامية وفق تقييمك الشخصي ؟
في اعتقادي أن الفكر اللاديني سيكون الأكثر انتشاراً في السنوات القادمة! لكن لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار التمييز بين اللاديني والإلحادي! الناس بحاجة إلى تغيير مفهومها لله، لأنه لم يعد يتناسب مع العصر. تغيير مفهوم الله لا يعني، بأية حال، تغيير الإله ككينونة! في تعاطينا مع فكرة الألوهة، لا نزال نستخدم تعابيراً عفا عليها الزمان، ومصطلحات ومفاهيماً لا تليقّ إلاّ بالمتاحف! هذا الإله الذي يقسّم الناس إلى أحرار وعبيد؛ الذي يشيّء الأنوثة عبر تصنيفها إلى زوجة وسريّة؛ هذا الإله الذي قلما نشاهده دون السيف المضرّج بالدماء: صار من الواجب تغيير قاموس صفاته! اللادينيّة مفتوحة للجميع، مؤمنين كانوا أم ملحدين! المؤمن العقلاني، لا يحتاج إلى منظومات دينيّة إذا ما أراد التواصل مع الإلهي! الأديان، خاصّة منها المعادية للصيرورة، شُغلت بأبجدية انتهى زمنها؛ من هنا، إمّا أن تدخل هذه الأديان في صيرورة تغيير شاملة، أو أنها ستحكم على ذواتها بالانقراض! م
شبكة اللادينيين العرب هي أول تجمّع لا ديني عربي يخرج إلى العلن ، ما مدى أهمية هذا الموقع برأيك وهل أنت من المتابعين له ؟ ما تقيّمك لهذه التجربة بشكل عام وما النصائح التي تقدمها للقائمين عليه للنهوض بهذه الفكرة نحو الأفضل ؟
مما لا شكّ فيه أن وجود موقع باسم اللادينيين العرب [ أفضّل: الناطقين بالعربيّة ] مسألة هامّة للغاية، لأنها المرّة الأولى التي يجرؤ فيها ناطقون بالعربيّة على الإعلان عن وجودهم، خاصّة في هذه المرحلة حيث التيارات الأصوليّة تأكل الأخضر واليابس؛ وأنا أتابع الموقع باستمرار، تحديداً بعض الأسماء الملفتة [ شهاب الدمشقي مثلاً ]! مع ذلك، لي بعض الملاحظات على هذا الموقع وغيره من المواقع، أهمها: استخدام الأسماء المستعارة عوض الأسماء الصريحة: ففي هذا الزمن لم يعد مقبولاً أن يتلطّى أحد خلف متراس الأقنعة خوفاً من رأي عام لا علاقة له، لا من قريب ولا من بعيد، بما يمكن أن تسميه " وعياً بشريّاً "! هنالك مسألة أخرى هامّة أيضاً هي افتقاد الموقع لأمهات المصادر اللادينيّة الغربيّة، التي ترجم بعضها إلى العربيّة؛ منها مثلاً: عدو المسيح، شفق الأوثان، وبمعزل عن الخير والشر لنيتشه؛ مستقبل وهم لفرويد؛ المسيح ليس مسيحياً لبرناردشو؛ الأبواب المقفلة لسارتر؛ ماهيّة الميتافيزيك لهايدغر؛ جوهر الدين وجوهر المسيحيّة لفويرباخ؛... إلخ! يمكن أن أذكّر هنا بعملي الذي لا أمتلك منه نسخة واحدة: نيتشه والدين، الذي قد يكون أصرح عمل باللغة العربيّة في نقد الدين!من ناحية أخرى، فكرة اللادينية تحتاج إلى توضيح أكثر: اللادينيّة تحتوي الإلحاد لكنها غير متطابقة معه! هذا الموضوع، باعتقادي، يحتاج إلى عمل كثير! الناس تحتاج في المنطقة إلى تغيير مفهوم الله في أذهانها، أكثر من حاجتها إلى الإلحاد، الذي هو في نهاية الأمر مسألة لا بدّ من تمتّع من يتبناها إلى قوّة لا مثيل لها! التخلّي عن فكرة الله أصعب على الإنسان من تخلّي الرضيع عن أمّه! لهذا أجدني ألحّ بقوّة على ضرورة تقديم مفاهيم لله جديدة غير دينيّة تناسب العصر وترفع من السويّة الأخلاقيّة للناس، التي أوصلتهم الأديان الحاليّة إلى دركها الأسفل! ك
مضى وقت طويل لم نرى لك أعمالاً جديدة ، ما الذي تـُحضّر له حالياً وهل من أعمال جديدة لك سترى النور قريباً ؟
عندي كتابان منعا طبعاً في سوريّا: حكايا الطوفان، وقصّة إبراهيم بين الروايات الدينيّة والتاريخيّة! الكتاب الذي أحضّر له منذ فترة طويلة اسمه " كمشة بدو "؛ وبعده لن أكتب عن الإسلام حرفاً واحداً؛ لأن قتل الذباب – إحدى وسائل قتل الوقت عند سارتر - أحلى بكثير من الخوض في تفاصيل هؤلاء البدائيين المضجرة! وكما قلت من قبل، العمر قصير للغاية، فمن غير المعقول إضاعته في حكايا الاستنجاء والاستجمار والشيطان خنزب ورضاع الكبير وغيرها من التفاهات المريعة التي لا تضيف للروح شيئاً! غ
الجمعة 03 سبتمبر 2004

mercredi 14 novembre 2007

دعوة مفتوحة للجميع من أجل مشاركتنا في استطلاع الرأي جانبه .. مع مودتي

mardi 13 novembre 2007

الدكتورة وفاء سلطان : الدين مسؤول عن الكثير من مشاكلنا..

ولدت الدكتورة وفاء سلطان سنة 1958 في بانياس في سوريا وهي طبيبة نفسية حاصلة على الجنسية الأمريكية وتقيم في ولاية كاليفورنيا.تحولت الدكتورة وفاء سلطان إلى نجمة داخل الولايات المتحدة وبعض الدول العربية منذ ظهورها الثاني على قناة الجزيرة متحدثة عن صراع الحضارات في برنامج الاتجاه المعاكس شهر فبراير من السنة الماضية، وهو الظهور الذي دفع عددا من وسائل الإعلام الدولية لتسليط الضوء على تلك "المرأة العربية" التي تحدّت شيخا من شيوخ الأزهر وناظرته بصلابة غير معهودة في العالم الإسلامي. ومنذ ذلك الوقت انقسم المهتمون بالحوار بين الحضارات بين معارض ومؤيد لكلام وفاء سلطان لكن القاسم المشترك بينهم جميعا كان التطرف في تبرير الموقف. فالمناصرون لكلام الدكتورة السورية يدافعون عنها بشدة وينتظرون مقالاتها التي تنشر بعدد من المواقع الإلكترونية بشغف كبير، فيما يرفض المُعادون لها حتى مناقشة أفكارها ويختصرونها في كلمة "ملحدة" و"مخربة لجهود التقريب بين الحضارات" بل هناك من أفتى بإباحة دمها. تقرير واشنطن جمع قائمة الاتهامات التي توجه للدكتورة سلطان وحاورها عبر البريد الإلكتروني، وهي ردت مشكورة على كل أسئلتنا.
تقرير واشنطن : شاركتِ في مؤتمر فلوريدا عن الإسلام العلماني، هل تعتبرين نفسك مسلمة علمانية؟
د. وفاء سلطان : أنا امرأة علمانية الفكر والهدف، مسلمة التربية والنشأة. لقد قضيت أكثر من ثلثي عمري كمسلمة، وليس خياري أن أكون أو لا أكون. الإسلام تاريخي ولهذا التاريخ دور في أن أكون من أنا اليوم.
تقرير واشنطن : هل درست علوم التفسير من قبل؟
د. وفاء سلطان : طبعا درست كتب التفسير من ألفها إلى يائها، وزاد هذا الأمر من رفضي للتعاليم الإسلامية وكرّس قناعاتي حيالها. أعتقد أن كتب التفسير قد زادت من سوء تلك التعاليم على حدّ مثل إفريقي: من يحاول أن يفسر شيئا سيـّئا يزيده سوءا. دعيني أضرب لك مثلا الآية التي تقول: ولا تأتوا السفهاء أموالكم ...". أجمعت معظم كتب التفسير، إن لم يكن كلّها، على أن المقصود بالسفهاء هم النساء والصبيان، وأجمعت تلك الكتب على أن النساء أسفه السفهاء! ماذا تريدينني أن أفعل حيال هذا التفسير يا ـ رعاك الله ـ؟ ! هل تريدينني أن أحني رأسي من شدّة إعجابي؟ هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، أية قيمة لرسالة تحتاج كلّ كلمة فيها إلى تفسير؟ وما الحكمة من أن تكون "رسالة الله" معقدة وغير مفهومة وتحتاج إلى من يفسرها لأتباعها. جاء في القرآن قوله " وقرآن مبين"، فأين البيان والوضوح في كتاب كل حرف فيه يحتاج إلى تفسير؟ ما هي مصداقية من قام بتفسيره، ومن أين استمدوا مصداقيتهم تلك؟
تقرير واشنطن : ما هي مشكلتكِ بالضبط مع الإسلام؟
د. وفاء سلطان الإسلام جهاز عقائدي مسئول أولا وأخيرا عن انحطاط الإنسان المسلم فكريا وأخلاقيا. لقد شوه الإسلام المفاهيم وسمّى الأشياء بغير مسمياتها.دعيني أضرب مثلا: في أكثر الكتب الإسلامية توثيقا واعتمادا نقرأ بأن النبي محمد كان يفاخذ عائشة وهي في السادسة من عمرها وهو فوق الخمسين، ثم نقرأ بعد ذلك قول القرآن: "وإنك لعلى خلق عظيم". أليس هذا قلبا وتشويها لمفهوم الأخلاق؟ كيف سيتصرف الرجل المسلم عندما يعتبر مفاخذة الأطفال ضربا من الأخلاق؟ تروي لنا تلك الكتب وبالتفصيل كيف قتل النبي محمد زوج السيدة صفية بنت حيي ابن أخطب وأخيها وأبيها، وفي طريقه من الغزوة مر بالنساء المسبيات ثم ألقى ردائه على صفية فعرف الجمع أنه اصطفاها لنفسه. نام معها في نفس اليوم وهو في طريقه إلى مضربه يقرأ الإنسان المسلم تلك القصة من كتبه ثم يقرأ قول محمد: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فيختلط عليه الأمر ويصبح القتل والاغتصاب أيضا ضربا من الأخلاق. أهكذا تتمم الأخلاق؟!!
تقرير واشنطن: ما هي الخطوط العريضة لما تقولين بأنه مشروعك لإصلاح الإسلام؟
د. وفاء سلطان: أسعى جاهدة كي أعيد المفاهيم إلى مناصبها وأسمي الأشياء بأسمائها. أؤمن إيمانا مطلقا بأن الواقع المأساوي الذي وصلنا إليه يتطلب إعادة تأهيل الإنسان المسلم عقليا وفكريا وتربويا وأخلاقيا، وتلك هي رسالتي ومشروعي. هذه العقلية التي تبلورت خلال أربعة عشر قرنا من الزمن لن تتغير بين ليلة وضحاها. عملية إعادة التأهيل ستكون طويلة وشاقة لكنها واقعة لا محالة.نحن نعيش في عصر الإنترنيت ولا يمكن سد منافذ المعرفة بعد اليوم. عملية التأهيل بدأت وهي، وإن تبدو بطيئة، مستمرة وستسمر يوما عن خلق إنسان جديد. تقرير واشنطن : منذ ظهورك، تبنتك جهات مسيحية بعضها متشدّد مثل موقع الناقد الذي أطلقكِ وبعضها معتدل مثل منظمات الأقباط المصرية، ألم تخشي على مصداقية رسالتك خصوصا وأنك تتناولين فيها دين منافس وبين الدينـَيـْن قرون من الصراع؟
د. وفاء سلطان : لا أعرف ماذا تقصدين بكلمة "تبنتك" وإن كنت أشم منها رائحة كريهة. موقع الناقد هو موقع أنشأه صديق سوري مسيحي متعمق في دراسته للإسلام يصرف على الموقع من ماله وجهده الشخصي. نعم هذا الموقع هو الذي قدمني مشكورا للعالم العربي وأنا مدينة للسيد بسّام درويش بذلك، ولكنه قدم في الوقت نفسه جميع كتابه وأغلبهم مسلمون، منهم المفكر والمؤرخ السيد مالك مسلماني والكاتب السيّد محمود كرم والكاتب السيد خالد السعيد والكاتب السيد حسين ديبان وغيرهم، فلماذا لا أسمع بأن الناقد كجهة مسيحية "متشددة" قد تبنت هؤلاء الكتاب؟ ولماذا أنا الوحيدة التي أتهم بعملية "التبني" تلك؟ ونفس التساؤلات تطرح حيال "تبني" منظمة الأقباط متحدون لي, السيد الدكتور شاكر النابلسي والسيد الدكتور سعد الدين إبراهيم أقوى في علاقتهما مع تلك المنظمة من علاقتي بها وأكثر حضورا وتفاعلا، فلماذا لا توجه إليهما نفس التهمة؟يا سيدتي، أنا التي تبنيت قضية الأقباط وليس العكس. تبنيتها لأنها قضية شعب مضطهد ومظلوم وأنا مع كل مضطهد على سطح الأرض وصوتي هو صوت من ليس لهم صوتوأهم المواقع التي تنشر كتاباتي اليوم موقع "الحوار المتمدن" والكل يعرف بأن هذا الموقع ملكا لحركة يسارية ماركسية فلماذا لا أتهم بكوني يسارية ماركسية؟ هم يحاولون باتهامي بالعمل لصالح اليمين المسيحي تجريد رسالتي من مصداقيتها، وهذا أقل ما يمكن أن يثير قلقي. مصداقيتي، يا سيدتي، تأتي من مصداقية فكري والطريقة التي أوصل بها هذا الفكر لقرائي.الإسلام في صراع، وليس في تنافس كما تقولين، مع كل الأديان والديانات وليس مع المسيحية فقط، ونبي الإسلام افتعل ذلك الصراع.من الناحية الغيبية أنا لا أؤمن بأي دين. ولا أدافع عن المسيحية من تلك الناحية، ولكن من حقي أن أقارن بين السيرة الذاتية لمحمد والسيرة الذاتية للمسيح، معتمدة على المصادر الإسلامية نفسها، لأنني أجد في تلك المقارنة فروقا تستحق الوقوف عندها.
تقرير واشنطن: لماذا توقف القائمون على موقع الناقد عن نشر مقالاتك وحذف تلك التي سبق ونشرتها هناك من قبل؟
د. وفاء سلطان : لم أختلف مع السيد بسام درويش على المبدأ، فنحن صديقان وما زلنا. يؤمن كل منّا بما يطرحه الآخر ويكمله. الخلاف بيننا شخصيّ، وله علاقة بطريقة نشر مقالاتي في المواقع الأخرى. وضع شروطا لم أقبلها. أحترم حقه في أن يضع شروطه، كما يحترم حقي في أرفضها. الكثير من المواقع تنشر اليوم كتاباتي وموقع "الحوار المتمدن" الأكثر انتشارا. تصلني من قرائه مئات الرسائل يوميا وأنا سعيدة جدا بالأثر الذي تتركه كتاباتي.
تقرير واشنطن : أفكارك وجدت صدى كبيرا لدى وسائل الإعلام الأمريكية واليهودية، هل وجدت صدى مماثلا في الدول الإسلامية؟
د. وفاء سلطان: هذا السؤال يسعى لذرّ الغبار في العيون وصرف النظر عن الحقيقة. لقد وصلت إلى وسائل الإعلام الأمريكية واليهودية عن طريق تلفزيون الجزيرة. لو لم تلاقي أفكاري أولا صدى في الدول الإسلامية لما اختارتني الجزيرة. طبعا لم تأتي عملية الاختيار من فراغ ولا عن طريق الصدفة أو القرعة. اختاروني بعد أن لمسوا أهمية الأفكار التي أطرحها وخطورتها على القالب الفكري الحديدي الذي قولب به الإسلام أتباعه. بدأت بنشر أفكاري منذ الأسبوع الأول الذي وطأت به قدمي أرض أمريكا، واستمريت بنشرها حتى تاريخ ظهوري الأول على قناة الجزيرة. الجالية العربية والإسلامية في لوس انجلوس تعرف تماما قصة كفاحي وصراعي مع الصحف العربية هنا، عندما كانت تطردني الواحدة تلو الأخرى. خلال تلك المدة لم يسمع بي جاري الأمريكي الذي يسكن البيت المجاور لبيتي. أما اليوم فلقد أصبحت حديث الشارع العربي والخبز الذي تتشاطره العائلة العربية على مائدة العشاء. هناك الكثير من الجمعيات التي تشكلت وتتشكل سريّة على امتداد العالم العربي التي تتبنى أفكاري وتقوم بطبع مقالاتي وتوزيعها. واحدة منها تضم أكثر من خمسة آلاف عضو وتطلق على نفسها "جميعه أصدقاء وفاء سلطان ". إخفاء الحقيقة، يا سيدتي، لا يلغيها! ومهما تجاهلتني وسائل الإعلام العربية، يعلم القائمون عليها بأنني لا أحتاج إلى اعترافهم بي. كتاباتي تثبت وجودي وأهمية هذا الوجود، وشكرا لعصر الإنترنيت الذي لم يحجني إلى تقبيل أياديهم.
تقرير واشنطن: في مقابلة لك مع مذيع قناة سي إن إن
Glenn Beck قلت بأن الإسلام دين غير صالح للإصلاح وأنه إذا ما أصلح فلن يبقى منه شيء، ثم بعد ذلك قلت بأنك ترغبين في مواجهة المتطرفين الإسلاميين يعني تعترفين ضمنا بأن هناك مسلمين معتدلين؟
د. وفاء سلطان : يتوقف الأمر على تعريفنا لكلمة " اعتدال". إذا قصدنا بالاعتدال رفض التورط في الإرهاب والتطرف، فالشريحة المعتدلة من المسلمين كبيرة جدا. أما إذا وسعنا المعنى ليشمل من يرفض التورط ومن يشجب الإرهاب، فستتقلص تلك الشريحة. ثمّ إذا انتقلنا إلى معنى أوسع فشملنا من يرفض ومن يشجب ومن يعترف بالتعاليم التي تحرض عليه، عندها ستخسر تلك الشريحة القسط الأكبر منها. لكن عندما ننتقل إلى التعريف الأوسع و الأشمل وهو من يرفض التورط في الإرهاب ومن يشجبه ومن يشجب التعاليم التي تحرض عليه ومن يسعى لإيقافه ولو بلسانه، سنحتاج إلى مجهر إلكتروني كي نستطيع أن نرى ما تبقى من تلك الشريحة. ويبقى السؤال: أين هم المعتدلون، ولماذا لا نسمع احتجاجهم على ما يجري باسم الإسلام؟!!
تقرير واشنطن : هل تعتقدين بأن أكثر من مليار شخص يعتنق الإسلام حول العالم مُغرر بهم؟
د. وفاء سلطان : عندما يتعلق الأمر بالعلاقة الغيبية بين الدين والخالق أعتبر أتباع كل الأديان والديانات مغرر بهم وليس المسلمون فقط. لا أؤمن بتلك العلاقة ولا يهمنى البحث كثيرا عن مصداقيتها. يهمني ما جاء في تعاليم الدين، أي دين، وهنا تكمن خطورة التغرير بمليار إنسان.قلت مرارا: آمن بالحجر ولكن لا تضربني بها. نعم أعتبر من يؤمن بالحجر مغرر به، ولكن ليس في الأمر خطورة ما لم يضربني بحجره!عدد المعتنقين لفكرة ما لا يبرهن على مصداقية تلك الفكرة، ولو آمن العلماء بذلك لما استطاعوا أن يقودوا البشرية إلى تلك المرحلة من العلم والتقدم. غاليلو أثبت خطأ ما كان يؤمن به العالم كله، وهو خير دليل وأكبر برهان. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، إذا كان عدد المسلمين يثبت صحة معتقدهم، لماذا لا نعترف بأن المسيحية هي الأصّح مادام عدد الذين يؤمنون بها أكثر بكثير من عدد المسلمين؟ عدد المؤمنين بعقيدة لا علاقة له بقيمة تلك العقيدة ومدى صحّتها! عندما أكون أنا وكل الأمة الإسلامية على طرفيّ نقيض، أمتلك الحق بأن أدافع عن نفسي بنفس المقدار الذي تمتلك به الحق أن تدافع تلك الأمة عن نفسها. البقاء هنا للأصلح، ولا أعتقد بأن أمة تؤمن بالغزو والغنائم وسبي النساء أصلح من امرأة ترفض أن تؤمن بتلك التعاليم، وبالتالي سيكون البقاء حكما لي!
تقرير واشنطن : مادام الإسلام دين غير قابل للإصلاح بنظرك، كيف يجب على المجتمع الدولي التعامل مع المسلمين؟
د. وفاء سلطان: يجب أن يميّز العالم بين الإسلام والمسلمين. الإسلام جهاز عقائدي والمسلمين بشر ككل البشر فيهم الصالح وفيهم الطالح وعملية تأهيلهم ممكنة. أعتقد أن الحل الوحيد لأزمة اليوم هي في ضمان حرية العقيدة في العالم الإسلامي وفتح ذلك العالم لكل العقائد والأفكار. في تلك الحالة ستتنافس الفلسفات والعقائد والأفكار الأخرى مع الإسلام، وسيفقد عندها الكثير من عنفه وقوته وجبروته. استطاع الإسلام أن يحافظ على نفسه بقوة السيف ومتى نرفع السيف عن رقاب البشر ستخسر تلك العقيدة قدرتها على العنف وبالتالي ستقل خطورتها. إن ضمان حرية العقيدة والاختيار في العالم الإسلامي هو الحل الرئيسي، إن لم يكن الوحيد. كما وأنصح العالم كله بوضع تعريف محدد لمعنى كلمة "دين"، لأن أي تعريف لن ينطبق على الإٍسلام. فالإسلام ليس دينا محض، وإنما دين ودولة، دولة تفرض وجودها بالعنف. ومتى خسر الإسلام الشق الثاني من تركيبته ستقل خطورته.
تقرير واشنطن : تقولين بأن موقفك من الإسلام تغير منذ تعرض أستاذك للاغتيال على يد جماعة إسلامية متطرفة عندما كنت طالبة في سوريا، لكن الكثير من الكتاب السوريين نفوا حصول مثل ذلك الحادث واتهموك بتزوير التاريخ، بماذا تردين؟
د. وفاء سلطان : ما شاء الله.. ماشاء الله كم هم حريصون على سلامة التاريخ، وكم هو تاريخنا العربي والإسلامي موثق وبريء من التزوير!. من هم هؤلاء الكتاب ولماذا لا نعرف أسمائهم؟ ما الغاية من تكذيبي، هل لتجريد رسالتي من مصداقيتها أم لتبرئة تاريخ الإخوان المسلمين في سورية؟ الدكتور يوسف اليوسف الذي كان طبيب الأمراض العينية في جامعة حلب في أواخر الثمانينيات قتل على يد عصابة الإخوان المسلمين المجرمة ولقد شهدت عملية القتل. الحادثة واقعة تاريخية لا أحد يستطيع إنكارها. رسالتي أقوى من أن تكذب وتاريخ الإخوان المسلمين أجرم من أن يبرّأ. عندما ذكرت تلك الحادثة في أول مقابلة لي، ذكرتها على سبيل المثال وليس الحصر.لم يقتلوا أستاذا واحدا من أساتذتي وإنما قتلوا اثنين آخرين. لقد خسرت في نفس الوقت الدكتور علي العلي الذي اغتالته أياديهم الآثمة وكان قد درّسني مادة علم الحيوان في السنة الثانية في كلية الطب، والدكتور عبد الرحمن هلال وكنت قد تدربت على يديه كطبيب الأمراض العصبية في السنة السادسة في المشفى العسكري في مدينة اللاذقية. لقد أثر فيّ اغتيالهما كما أثر اغتيال الدكتور يوسف اليوسف، ذكرت اغتيال الدكتور يوسف اليوسف فقط لأنني شهدت عملية القتل الوحشية التي تبرهن على دونيتهم العقلية والأخلاقية والإنسانية.لو عرفت بأن ذكر تلك الحادثة سيأخذ تلك الأهمية في الصحافة الأمريكية لكنت قد أسهبت في شرح جرائمهم التي لعبت دورا كبيرا في تغييري وفي موقفي لاحقا من الإسلام كتعاليم إرهابية.لكنني سأتعرض لجرائمهم في سورية بالتفصيل في كتابي الذي سيصدر قريبا وهو بعنوان: السجين الهارب...عندما يكون الله غولا
تقرير واشنطن : هل صحيح أن حسابك البنكي انتفخ بشكل مفاجئ منذ بدأت تهاجمين الإسلام؟
د. وفاء سلطان : هذا ليس سؤالا، هذا اتهام وتدخل سافر في خصوصياتي! رصيدي البنكي ومصدر ذلك الرصيد أمر شخصي ولا يحق لأحد أن يسأل عنه. ما يهم الناس رصيدي الفكري والعقلي ومصدر ذلك الرصيد. لو قلت لك بأن رصيدي مليون دولارا، هل سيغيّر اعترافي هذا من مصداقية كتاباتي؟ لكن عندما أقول لك بأن الإسلام عقيدة إرهابية وأبرهن لك بالعلم والمعرفة، أكون قد غيرّت الكثير. ومع هذا أقول: ثقي تماما بأن وفاء سلطان هي من أغنى نساء العالم!
تقرير واشنطن : في رد لك نشر في صحيفة الوطن، صفحة آفاق، أكتوبر 1994 كانت لغتك مختلفة تماما عن الإسلام قلت بالحرف "علمني والدي أن الإسلام محبة ونورا وأخلاقا واعترافا بالجميل...ردّدتُ وراءه منذ نعومة أظفاري قول الرسول عليه الصلاة والسلام من آذى ذميا فأنا خصمه ومن كنت خصمه خاصمته يوم القيامة.." هذا يعني أن موقفك من الإسلام كان إيجابيا حتى بعد قدومك للولايات المتحدة، فما الذي حدث؟
د. وفاء سلطان : نعم هذا ما علمني إياه والدي وهذا ما حاولت بكل ما أعطيت من قوة أن أبرهن على مصداقيته، ولكن للأسف الشديد الشمس أسطع من أن تخفيها بغربال. عندما توسعت مداركي وعلومي وازداد إطلاعي على التعاليم الإسلامية، ومن مصادرها الرئيسية والموثقة، اكتشفت خيبة ما تعلمته في طفولتي. في أمريكا اطلعت على حقيقة ما قاله محمد وليس فقط على ما قاله والدي، فاكتشفت بأنه قال: "لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا"، وهذا القول لا ينطبق مع أخلاقياتي و يتعارض مع أبسط مبادئي.
تقرير واشنطن : انتقد حاخام يهودي تصريحاتك الصحفية واتهمك بتخريب جهود التقريب بين الديانات السماوية الثلاث، هل هذا ما تقومين به حقا؟
د. وفاء سلطان : لم ينتقدني حاخام واحد فحسب، بل انتقدني الكثيرون من الحاخامات سرا وعلانية. صدقي أو لا تصدقي، هم يعبرون عن رأي الكثيرين من اليهود، لليهود قناعة بأنهم لا يستطيعون أن يحافظوا على هويتهم ودينهم إلا بالمطالبة بالحفاظ على كل الأديان والهويات، وأنا أحترم قناعاتهم. أختلف مع الكثير من أصدقائي اليهود في طريقة نقدي للإسلام، لكن كل طرف يحترم حقّ الآخر في الاختلاف. طالما هي "ديانات سماوية" ومصدرها إله واحد يفترض أن لا تكون هناك حاجة للتقريب بينها. لم تستطع أربعة عشر قرنا من الزمن أن تقرب بين الإسلام والديانات الأخرى. هل فعلا تؤمنين بأن وفاء سلطان قادرة على أن تمسخ القرد أكثر مما مسخه ربّه، على حد قول المثل الشعبي؟!
تقرير واشنطن : هل تعتقدين بأن أكثر من مليار مسلم حول العالم هم جميعهم مشاريع إرهابيين محتملين لن يترددوا في تفجير أنفسهم مستقبلا؟
د. وفاء سلطان : لا لا أؤمن بذلك! 90% من المسلمين غير العرب لا يعرفون كلمة واحدة من القرآن، ناهيك عن الحديث والسيرة النبوية. هم يدافعون عن الإسلام دون أن يعرفوا شيئا عنه. لقد قابلت الكثيرين منهم هنا في أمريكا واكتشفت ضحالة معلوماتهم إلى حد يثير الدهشة. قابلت طبيبة باكستانية متعصبة جدا للإسلام، وعند تعمقت في استجوابها اكتشفت بأنها لا تعرف سوى أن تقول "محمد صلى الله عليه وسلم". هذه المرأة محسوبة وأمثالها كعدد على الإسلام. المسلمون العرب هم الأشد خطورة، لأن الإسلام دين عربي وأهل مكة أدرى بهضابها! لم يصل الإرهاب الإسلامي إلى الدول الإسلامية غير العربية إلا عن طريق الإخطبوط الوهابي المدجج بالأموال السعودية.
تقرير واشنطن : وفاء سلطان ممولة من اليمين المتطرف واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة....ماردك على هذا الاتهام؟
د. وفاء سلطان : عندما يفلس الإنسان فكريا يلجأ إلى الاتهام. هذه بضاعتي ألقيتها فلماذا لا يعرضون بضائعهم! هم لا يملكون شيئا ويعرفون في غلالة أنفسهم بأنهم فقيرون معرفيا حتى الفاقة، ولكي يغطوا الإحباط الذي أصيبوا به يلجئون إلى قذفي واتهامي. إنه تصرف بدائي غريزي لم تضبطه لدى المسلمين تربية ولم تهذّبه أخلاق. أين هي براهينهم؟
تقرير واشنطن : وفاء سلطان، مسيحية أم مسلمة أم علمانية، أم مزيج من كل ذلك؟.
د. وفاء سلطان : قلتها حتى جفّ حلقي، أنا لا أؤمن بأي دين وأعتبر الأديان فلسفات أفرزتها الحاجة إليها في الزمن الذي ولدت فيه. لا أفرق بين الإسلام وأي دين آخر من حيث علاقته الغيبية، ولكن أفرق من حيث الفكر الذي يطرحه ومدى خطورة ذلك الفكر على سلامة الإنسان وصحته العقلية. لا أستطيع أن أنكر ماضيّ، فأنا مسلمة التربية والنشأة. والإنسان يسقط خلال سنوات حياته الأولى في المصيدة التي أوقعه بها مربوه، ومن الصعب أن يتحرر كليا من براثن تلك المصيدة مهما حاول، تلك حقيقة علمية! إن كنت لا أخاف أن أنتقد الإسلام، هل تعتقدين بأنني سأخاف أن أعترف باعتناقي للمسيحيّة لو كنت فعلا قد اعتنقتها؟! إنني أحترم البوذية بنفس المقدار الذي أحترم به المسيحية، بل أشعر أحيانا بأنّ البوذية أقرب إلى العلمانية منها إلى المسيحية. إحدى بناتي قررت مؤخرا أن تتعمق في البوذية وبدأت تتردد على معابدها، ليس لدي مشكلة في ذلك وأنا أحترم قرارها. جارتي سوشما هندوسيّة، هي أقرب إلى قلبي من شغافه وأنا أقرب اليها من الوشم بين عينيها! أنا إنسانة علمانية أحترم كل عقيدة لا تتعدى على حدودي، بل تحترم إنسانيتي.
تقرير واشنطن: الكثير من قرائك قالوا بأنهم لمسوا في كتاباتك مؤخرا الكثير من النرجسية والغرور وقد قارنتِ نفسك مؤخرا في إحدى مقالاتك بفولتير، هل لعبت الشهرة بأفكار وفاء سلطان؟
د. وفاء سلطان: الثقافة الإسلامية، يا سيدتي، لا تميّز بين النرجسيّة وحب الذات. بينهما فرق كبير! لا يستطيع إنسان على سطح الأرض أن يحبّ غيره قبل أن يتعلم كيف يحب نفسه . وفاء سلطان تحب نفسها وتحترم تلك النفس، ولأنها ارتوت من هذا الحب هي قادرة على أن تحب غيرها وتعطيه. الإنسان المسلم، إنسان سحقته ثقافته وذوبته في محيطه غصبا عنه. لم تسمح له أن يتبنى كيانا مستقلا يستطيع من خلاله أن يتعامل مع المجتمع، وهذا سرّ فشلنا كمجتمع وكأشخاص. حب الذات هو مصدر الثقة بالنفس، والإنسان الذي يفقد تلك الثقة يفشل على كل الأصعدة ويعجز عن تحقيق أي نجاح. أما النرجسية فهي مرحلة من عشق الذات لا يستطيع عندها المرء أن يرى إلا نفسه وأن يعترف إلا بوجوده، وذلك أبعد ما يكون عن أخلاقية وفاء سلطان. ما زلت أعتز بالكثيرين من المفكرين العرب الذين ألقوا بظلالهم على حياتي، أذكر على سبيل المثال لا الحصر، السيدة الدكتورة نوال السعداوي والمفكر السعودي عبدا لله القصيمي والكاتبة السيدة غادة السمّان والشاعر المبدع نزار قباني. المفكر الدكتور أحمد البغدادي والكاتب السيد محمود كرم والمؤرخ السيد مالك مسلماني والصديق العزيز صلاح الدين محسن كتاب مسلمون لا يقلّون أهمية عني، وأنا أحبهم وأحترمهم وأعتزّ بهم جدا. أنا لم أقارن بيني وبين فولتير أبدا، هذا افتراء. بل تطرقت إلى ما كتبته إحدى الصحف الأمريكية الإلكترونية عندما قالت: The Muslim Voltaire has come! He is Wafa Sultan. ثم أين الخلل في أقارن بفولتير؟ جمهوري أكثر عددا من جمهور فولتير والحاجة إليّ في هذا الزمن ليست أقل من حاجة زمن فولتير إليه. لا ينتابني أدنى شك بأنني سأغيّر كما غيّر وسأساهم في خلق إنسان عربي جديد كما ساهم في خلق إنسان جديد. لكل زمن، يا سيدتي، مفكريه، فلماذا تحرمونني من حقي بأن أكون أحد المفكرين في هذا الزمان؟
تقرير واشنطن : هل سبق لك أن مارست الشعائر الإسلامية؟
د. وفاء سلطان : طبعا، الليالي الرمضانية من أعمق ذكرياتي وأحبها إلى قلبي. لم أكن أمارس كلّ الشعائر بالمسطرة كما كان والديّ يفعلان، لكنني توقفت عن ممارستها بشكل شبه قطعي في أواخر الثمانينات، وكان ذلك إثر الأعمال الإرهابية التي أرتكبتها عصابة الإخوان المسلمين في سورية. لجئوا إلى اغتيال أبناء الطبقة ذات التحصيل العلمي العالي لأنها كانت الفريسة الأسهل، فجّروا القطارات وباصات النقل الداخلي إشباعا لغرائزهم التي أدمنت القتل. كانوا يرشون الضحية بالرصاص وهم يكبّرون ويهللون. بدأتُ أتساءل:أيّ إله ذاك الذي يقبل أن يقترن اسمه بصوت الرصاص؟!! أعطيت ذاك الإله إجازة كي يخرج من حياتي. كنت أعتقد بأنها ستكون إجازة مؤقتة ريثما يتسنى لي البحث عن حقيقته، لكنها مازالت مفتوحة حتى تاريخ اليوم.
تقرير واشنطن : رغم كل الانتقادات في العالم للسياسة العنصرية التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين وضد بعض الإسرائيليين وقد تضمنها تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان الذي صدر مؤخرا، إلا أنك تصرين على الدفاع عن إسرائيل فقط لاسيما وأنك وقفت على ممارسات إسرائيل في الأراضي العربية؟
د. وفاء سلطان : هذا افتراء آخر لا أساس له من الصحة. كتاباتي تملأ المواقع العربية الإلكترونية فلماذا لا تذكري ما قلته بهذا الخصوص. إنيّ أتحدى من يستطيع أن يذكر عبارة واحدة لي قلتها وهللت فيها لممارسات إسرائيل في الأراضي العربية. أنا أؤمن بحق إسرائيل في الوجود، ولكنني أؤمن في الوقت نفسه بحق الفلسطينيين بإنشاء دولتهم والحياة بأمن وسلام. الفلسطينيون عانوا الكثير ولا أحد يستطيع أن ينكر معاناتهم، لكنني أعتقد بأن المشكلة في أساسها دينية وليست سياسية محض. عندما نرجع إلى جذور المشكلة الدينية ونتمكن من حلها سيكون حل المشكلة السياسية تحصيل حاصل. أنا لست سياسية، وأحاول قدر الإمكان أن أتجنّب الغوص في مستنقع لا أجيد السباحة فيه. الجانب السياسي من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يعنيني، ببساطة لأنني لا أعرف الكثير عنه. ما يعنيني الجانب الإنساني وأنا مع حق الطرفين في أن يعيشا بأمن وسلام، وضدّ كلّ عمليات العنف التي يرتكبها كلّ طرف بحقّ الآخر. الحوّار في رأيي سيّد الموقف في العصر الحديث، وعلى الطرفين أن يجيدا فنه وأخلاقيته.
تقرير واشنطن : هل تلقيتِ أي دعوة من جامعة في بلد إسلامي، وهل يمكن أن تزوري دولة إسلامية للدفاع عن أفكارك؟
د. وفاء سلطان : طبعا لم أتلق، ولا أعتقد بأنني سأتلقى في المستقبل القريب. أفكاري غير مرحب بها في العالم الإسلامي لأنهم يخافون منها ولا يستطيعون أن يواجهوها بالحجة والمنطق. أنا مستعدة لزيارة أي بلد إسلاميّ يوجّه لي دعوة، وسأكون في قمة سعادتي.
تقرير واشنطن : بماذا تنصحين النساء المسلمات؟
د. وفاء سلطان : أنصح المرأة بأن تقرأ وتتعمق في البحث، فالمعرفة قوة. لا تكوني تابعة بل مبدعة. وضع المرأة في العالم الإسلامي مأساوي، ومسؤولية المرأة قبل سواها أن تواجه هذا الواقع بشجاعة ورباطة جأش. صاحب السلطة لن يتخلى عنها بسهولة، والرجل في عالمنا سلطويّ بالمطلق. لا أدعو إلى تصارع معه، بل إلى عقلانية، فهو يحتاج إلى إعادة تأهيل والمرأة معنيّة بتلك المهمة الصعبة. أنت نصف المجتمع من حيث العدد، لكنّك أكثر بكثير من حيث الأهمية. لقد قلل الإسلام من تلك الأهمية بإدعائه أن الله قد خلق الإنسان من نطفة. لم يذكر دور المرأة وافترض بأنها مجرد حاضنة. علميّا، أنت تعطين نصف ما يعطي الرجل من حيث المادة الوراثية بالإضافة إلى كونك حاضنة للخلاصة التي تنجم عما يعطيه كلاكما، وبعد أن تنجبين تلك الخلاصة أنت المسئولة عن تربيتها وتحويلها إلى إنسان كامل وسليم. لدورك في المرحلة الجنينية وما بعد تلك المرحلة أهمية كبرى. وضعك النفسي والعقلي والفكري ينعكس على مدى نجاح المرحلتين، فاعتني بذلك الوضع وإياك أن تسمحي لتعاليم أو تقاليد أن تسيء اليه. المستقبل في يديك فاصنعي مستقبلا أفضل من حاضرك وماضيك. أتمنى لك التوفيق.
تقرير واشنطن : هل تحتفظين بذكرى جميلة عن حياتك السابقة في سوريا؟
د. وفاء سلطان : على الصعيد الشخصي معظم ذكرياتي جميلة، فأنا ولدت وتربيت في أسرة تحترم المرأة عموما وتعترف بحقوقها وضرورة تعليمها. الدليل على ذلك إيفادي إلى مدينة تبعد عن بلدتي مائتي ميل في أواسط السبعينات كي أتابع علومي الجامعية الطبية. صرفوا علي الكثير من الأموال ودعموني نفسيا. بعد شهرين من التحاقي بالجامعة تعرفت على زوجي وعشت معه قصة حب عمرها خمس سنوات، كللناها بزواجنا عندما كنت في السنة السادسة في كلية الطب. حياتي معه منذ يومها وحتى تاريخ اليوم قصة عشق لم تعشها جولييت مع روميو. أنا ملكة عرشه بلا منازع. لقد أشبعني حبا واحتراما وإحساسا بكياني كامرأة وكإنسانة، وهذا سر نجاحي. كل لحظة عشتها معه في سوريا ذكرى جميلة وأنا مدينة لتلك الذكريات. أما على الصعيد العام فمعظم ذكرياتي مأساوية. مارست الطبّ في بلدي لمدة ثمانية أعوام. دخلت من خلال تلك المهنة بيوت الناس قبل أن تدخلها الشمس، ولمست بكل جوارحي ما كان يجري وراء الأبواب الموصدة. أنا إنسانة مرهفة الحس، أمتص آلام الناس كالإسفنجة. لا أعرف إن كانت تلك الخاصة نقمة أم نعمة. هذه الآلام هي المنبع الذي أنهل منه عندما أكتب. يدّعون بأن مشكلتي مع الإسلام شخصية وقد نجمت عن تجارب مؤلمة عشتها، يضحكني إدعاءهم هذا. لم أكن قد تجاوزت عامي الثامن عشر عندما أوفدتني عائلتي إلى مدينة أخرى بعيدة جدا عن بلدتي كي أتابع دراساتي الجامعية معززة بأموال عائلتي وثقتها، أليس ذلك دليل عافية؟ ومنذ ذلك الحين وأنا ملكة أتربّع على منكبيّ رجل أحبني واحترمني بكل ما أوتي من قوة. فأين هي معاناتي؟ معاناة الناس في أوطاننا هي معاناتي وآلامهم هي آلامي، ولهذا أكتب وأستفيض!
تقرير واشنطن : هل يمكن أن تشركي قراء تقرير واشنطن في تفاصيل يوم عادي من حياتك؟
د. وفاء سلطان : لأسباب أمنيّة لا أستطيع أن أستفيض، فسيف الإٍسلام يطاردني. أستطيع أن أقول بأنه لا يختلف كثيرا عن يوم أية امرأة زوجة وأم وسيدة عاملة، بالإضافة إلى مسؤولياتي ككاتبة ومربيّة أجيال. أنا أم مثالية، علاقتي بأولادي تلتهم جلّ وقتي ولا ينافسني عليهم سوى شغفي بالقراءة. لا أنام سوى ساعات قليلة. أحبّ السكون وترهقني أخف الأصوات. زوجي وأولادي يلتزمون بنظام عائلي هادئ جدا احتراما لمشاعري. عالمي الداخلي صاخب ويضّج بالحياة، وهو يشبه إلى حد بعيد إحدى قاعات البورصة في وول ستريت، ولذلك أحتاج لنوع من التوازن بينه وبين عالمي الخارجي. بيتي هو مملكتي وأنا إنسانة سعيدة جدا. لي أصدقاء ونحن نلتقي دائما، أحبّهم ويحبونني ويتركون بصماتهم في حياتي كما أترك بصماتي في حياتهم.
أجرت المقابلة: فدوى مساط
عن موقع فدوى مساط http://www.fadouamassat.com/